السودان: حملة لتحويل العملات بالطرق الرسمية ومخاوف من السوق السوداء

انتظمت أنحاء السودان حملة شعبية لتحويل العملات بالطرق الرسمية بعد قرار تحرير سعر الصرف، لكن المخاوف من تغول السوق السوداء لا تزال قائمة.
التغيير- الفاضل إبراهيم
وُجهت دعوات إلى السودانيين العاملين بالخارج، لتحويل أموالهم بالعملات الحرة لذويهم في البلاد عبر البنوك والصرافات، بعد قرار تحرير سعر الصرف.
وشهدت مواقع التواصل الإجتماعي نشر العديد من المعلومات بخصوص التحويل المصرفي والأسعار من أجل دفع الاقتصاد الوطني.
فيما طالب عدد من السودانين في دول مثل سلطنة عمان والبحرين بتفعيل الخدمات البنكية لتحويل عملاتهم، الأمر الذي استجابت له السلطات السودانية وتم حل مشكلة التحويلات، لكن خبراء تخوفوا من عدم قدرة المصارف على مقارعة السوق السوداء.
دعم الحكومة
وفي الداخل تباينت الآراء بشأن تفاعل الجهاز المصرفي مع قرارات تحرير سعر الصرف، فيما أكدت مصادر تزايد حركة توريد العملات الأجنبية للمصارف.
وبدأت المصارف استلام النقد الأجنبي في منافسة مع السوق الموازي «السوداء».
وانطلقت حملة شعبية للتحويل بالداخل، كما نشر أصحاب محال تجارية إعلانات عبر مواقع التواصل عن رصد حوافز في هيئة تخفيضات للسلع والخدمات للمواطنين الذين يحملون إيصالات تحويل عملة «دولار- ريال» للبنوك الوطنية.
وأعلن في الخرطوم اليوم، عن وديعة مصرفية من إتحاد أصحاب العمل السوداني بمبلغ مليار دولار لدعم الحكومة السودانية بعد تحرير العملة وذلك خلال لقاء مع رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك.
إنسياب التحويلات
وفي السياق، كشف مصدر ببنك الخرطوم عن دخول «750» ألف دولار للبنك من الخارج عن طريق صرافة «ويسترن يونيون» العالمية خلال تعاملات اليوم الأول فقط عقب قرار البنك المركزي بتوحيد سعر الصرف.
وأوضح المصدر أن الصرافة العالمية زادت من السقف المخصص للتحويلات الخاصة بالسودان عقب القرار، علماً بأن «ويسترن يونيون» تتعامل مع بنك الخرطوم فقط بالسودان منذ أيام الحظر الدولي.
وبلغت حصيلة اليوم الثاني من تحويلات الصرافة «200» ألف دولار، وقال المصدر إن «15» فرعاً للبنك داخل العاصمة الخرطوم تستقبل يومياً ما بين «6» آلاف دولار و«5» آلاف ريال كتحويلات داخلية.
وقال المصدر إنه رغم السعر الأعلى في السوق الموازي إلا أن الإقبال بالبنوك أعلى لدرجة أن تجار العملة بدأوا ينشرون التجار الصغار «السريحة» أمام بوابات البنوك لاستقطاب الزبائن.
ونفى المصدر وجود عراقيل للعمل بالبنك، ولفت إلى أن العميل يمضي ما بين «2- 5» دقائق فقط لإنجاز التحويل، وتوقع أن يتقلّص الزمن خاصة بعد إصدار بنك الخرطوم لقرار تخصيص نوافذ لمعاملات تحويل النقد الأجنبي.
فيما أكدت مصادر ببنك فيصل الإسلامي، أن المصرف يشهد حركة متوسطة مقارنة ببنك الخرطوم فيما يتعلق بالنقد الأجنبي.
وتشهد العديد من البنوك تحويلات بمبالغ مختلفة في اليوم تم تقديرها بحوالي «57» ألف دولار يومياً، بجانب مبالغ تصل «35» ألف ريال سعودي ودرهم وإماراتي.

تحويلات المغتربين
وامتدح المدير السابق لمركز دراسات الهجرة بجهاز المغتربين د. خالد لورد، مدير مركز لورد الاستشاري، خطوة البنك المركزي بتوحيد سعر العملة، لكنه وصف الخطوة بالغير كافية لجذب تحويلات ومدخرات السودانيين بالخارج والبالغ عددهم «5» ملايين مغترب بحسب آخر الإحصائيات.
وقال لـ«التغيير»: «لن تستطيع المصارف مقارعة سعر السوق الأسود لذلك لابد من سياسة الحوافز التشجيعية المتمثلة في الإعفاءات الجمركية والضريبية وقطع الأراضي وتعليم أبناء المغتربين وغيرها من الحوافز».
وأضاف: «مثلاً إذا كان السعر الرسمي للدولار في البنوك 375 جنيهاً وفي السوق الموازي 400 جنيه فإن ما تقدِّمه الدولة من الحوافز التشجيعية المذكورة تكون أكبر من فرق السعر بين السوق الموازي والمعاملات الرسمية لذلك المغترب سيلجأ للقنوات الرسمية بدلاً عن السوق الموازي».
ورأى لورد أن الحكومة قامت بالجزء الأصعب في المعادلة وهو قرار التعويم وتبقى الحوافز وهي تحتاج فقط لقرارات.
وقال: كما هو معلوم الحوافز والدراسات موجودة «حزم جاهزة» منذ فترة لذلك على الدولة الإسراع في تكوين اللجان الخاصة بهذه الحوافز لإنزالها لأرض الواقع ويمكن بكل سهولة أن تغطي تحويلات المغتربين فجوة الميزان التجاري البالغة «5» مليارات دولار.
المدخرات والاستثمارات
وأكد لورد أن المدخرات أهم من التحويلات لأن المدخرات تستخدم في الاستثمارات التي تستفيد منها البلاد باعتبارها مشاريع مستديمة يمكن أن تسهم في الصادر وتوفر فرص عمل للشباب، عكس التحويلات التي تستخدم في معظمها في منصرفات الحياة اليومية.
وأضاف بأن التحويلات نفسها تنخفض بحسب الوضع الاقتصادي للدولة فمثلاً إذا كان سعر الدولار والريال والدرهم أعلى بكثير من الجنيه فالمغترب لا يرسل مبالغ كبيرة فالإحصائيات تقول إن أعلى فترة أرسل فيها السودانيون مبالغ من الخارج كانت ما بين 2009 و2010م بمبالغ وصلت «3.1» مليار دولار حيث كان سعر الصرف مستقراً في تلك الفترة، لكن بعدها تراجعت هذه التحويلات تراجعاً كبيراً وانحسرت في ملايين الدولارات فقط وهي عبارة عن الرسوم الحكومية المفروضة على المغتربين والتي تم إيقافها حالياً بعد الثورة.
وطالب لورد بأهمية قيام سياسة وطنية للهجرة.
أزمة ثقة
وعلى الصعيد، اتهم الخير إبراهيم- مغترب مقيم بالخليج، بعض المصارف بسوء الإدارة والتعامل مع المغتربين وموارد النقد الأجنبي باستهتار شديد.
وقال لـ«التغيير»: «هذا الأمر لمسناه كمغتربين منذ بداية قرار بنك السودان، حقيقة هنالك بطء شديد في إجراءات التحويل الأمر الذي يضطر المغترب للجوء لصرافة ويسترن يونيون فيما لازال البعض يفضل التعامل مع السوق الموازي لسهولة التحاويل».
وأشار إلى أن الثقة لم تتوفر بعد بين المصارف والمغتربين.
عنصر المفاجأة
ووصف الخبير المصرفي محجوب شبو، الحملة الشعبية لإيداع العملات الأجنبية بالمصارف، بالممتازة والوطنية، ودعا المغتربين ورجال الأعمال والمتعاملين بالنقد الأجنبي للتجاوب مع الحملة.
وقال شبو لـ«التغيير»: «الآن ليس للمغتربين أي عذر لعدم التحويل عن طريق البنوك فالفرق بين السوق الأسود والمصارف لا يتجاوز 15- 20 جنيهاً ولا يمكن لمواطن أن يسهم في تدمير وطنه بسبب 15 جنيهاً».
ورفض شبو التحامل على البنوك فيما يخص التحويلات في ظل الحديث عن بطء الإجراءات.
وأوضح أن قرار توحيد سعر العملة حمل عنصر المفاجأة لتجار السوق الأسود لشل حركة التجار وإرباكهم ولكن في المقابل تفاجأت البنوك أيضاً خاصةً وأن حركة المصارف «ثقيلة» نوعاً ما، فكل بنك لديه عدد كبير من الأفرع وبالتالي الأمر يحتاج لتدابير، ورغم ذلك سارعت البنوك لتلافي أخطاءها سريعاً كما في حادثة بنك الخرطوم الذي بادر بفتح نوافذ خاصة للعملات.

تساوي السعرين
وامتدح شبو سياسة البنك المركزي بمتابعة الأسعار يومياً وإصدار نشرة بالأسعار توزع لـ«39» مصرفاً بالبلاد بحسب السوق عكس ما كان يحدث سابقاً حيث كان البنك يثبت سعراً واحداً فقط يتجاوزة السوق الموازي في لحظات، وبالتالي يدفع المواطنين للاتجاه نحو السوق الأسود، لكن حاليا السعر متقارب.
وتوقع شبو استمرار التقارب بين السعرين إذا ما استمرت وتيرة التحويلات بالنسق الحالي.
وقال: «أتوقع أن يتساوى السعران في السوق الأسود والمصارف قريباً كما حدث في مصر».
ولفت إلى أن التجربة المصرية في التعويم تختلف عن السودان لجهة أن مصر استفادت من «15» مليار دولار وفرتها دول الخليج الأمر الذي ساهم في توحيد الأسعار بالسوق الموازي والمصارف هناك.
وأوضح أن السودان لا يحتاج لمثل هذه المبالغ الكبيرة فيمكن مثلاً أن تؤدي مليار دولار لسد «70%» من الإحتياجات اليومية للدولار «علاج، سفر ومصاريف دراسية للطلاب بالخارج»، أما الاحتياجات الأخرى «التجارة والاستيراد» فيمكن للدولة أن تجتمع مع المصدرين لمعرفة الاحتياجات مع ضرورة فرض ضرائب على قوائم السلع الغير ضرورية خاصةً بعد قرار المالية بمجانية الرسوم على السلع الأساسية.
سد الثغرات
وشدَّد شبو على ضرورة سد ثغرة قرار بنك السودان الخاص بمنح المسافرين «1000» دولار رغم أن القانون يسمح لهم بـ«3000» دولار.
وقال: «هذا القرار يفتح المجال للسوق الأسود حيث يمكن أن يستغل البعض القرار ويستخدموه كتجارة سوق أسود بتسفير عدد من المواطنين ومنحهم دولارات ومن ثم أخذها منهم في الطائرة قبل وصولهم للخارج، لذلك ينبغي سد هذه الثغرة برفع المبلغ إلى 3 آلاف دولار للمسافر أو تحديد 1000 دولار فقط للمسافرين منعا للتلاعب».
البطاقات المصرفية
وأكد شبو ضرورة استخدام نظام البطاقات المصرفية «الكروت» بدلاً عن الكاش باعتبار أنها تقلل من مخاطر الكاش خاصة وأن البنوك أعلنت عن مجانية الكروت للجميع.
وقال إن البطاقات قضية كبيرة تحتاج لتوعية لتحقيق انتشار واسع في المجتمع لجهة أن البطاقات أو «الكروت» كالفيزا كارد وغيرها لا تعمل في جهة دون الأخرى لذلك لابد أن يستخدمها الجميع تجاراً ومواطنين ومؤسسات حكومية وخاصة.
مخاطر وسلبيات
وحذر الخبير الاقتصادي المقيم بالخارج حمدي حسن أحمد، المغتربين من سلبيات التعامل مع السوق الأسود.
وقال إن معظم المغتربين، وغالبيتهم بدول الخليج، يقومون بتحويل أموالهم لذويهم بالسودان عن طريق أفراد هم في الأصل تجار عملات أجنبية فيستلمون العملات الأجنبية من المغترب ويقوم مناديبهم أو وكلاؤهم بتسليم المقابل لذوي المغترب بالجنيه السوداني وفق السعر الموازي، وفي الغالب تكون هنالك علاقات تربط تاجر العملة والمغترب، وأيضاً يقوم بعض المغتربين بالتحويل عن طريق صرافات تعمل في مجال التحويل ولكنها أيضاً تتعامل بالسعر الموازي وليس الرسمي لجذب المغترب، والمخاطر هنا تتمثل في أن العملات بالجنيه السوداني التي يتم تسليمها بالسودان بما أنها خارج الدائرة المصرفية فهي قابلة لجميع مخاطر غسيل الأموال مثل الأموال المسروقة أو الناتجة عن أنشطة محظورة، إضافة لإحتمال التزوير، وعلى كل حال نسبة المخاطر يمكن وصفها بالضعيفة.
ونوه إلى مشكلة تواجه تجار العملة المشار إليهم بالدول التي يعملون فيها خاصة دول الخليج حيث أنهم يقومون بإستلام مبالغ كبيرة ويصعب عليهم إيداعها بالحسابات المصرفية وإن فعلوا فكثيراً ما يتعرضون للمحاسبة والسجون وإن لم يفعلوا فكثيراً ما يتعرضون للسرقات وهكذا.
وأشار إلى مخاطرة متوقعة بأن تكون العملات الأجنبية التي يتم شراؤها خارج القنوات الرسمية مزورة تعرض من يقوم بشرائها للمخاطر وبالتأكيد تعتبر الصرافات والبنوك هي الأكثر أمناً ويمكن عن طريقها تفادي مخاطر غسيل الأموال وتحقيق مزايا السوق الموازي.