تقارير وتحقيقات
من داخل “الحوش” بامدرمان.. (التغيير) ترصد احتجاجات العاملين بهيئة الإذاعة والتلفزيون
مذيعة بالقومي: الدولة العميقة تسيطر على التلفزيون.. ولقمان ديكتاتور

شهدت مباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون في السودان، احتجاجات من قبل مجموعات كبيرة من العاملين بالهيئة، منددة بما أعتبرته غياب للعدالة وتركيز للسلطات في يد المدير العام، بالإضافة إلى مطالبات برفع الأجور.
الخرطوم:التغيير / تقرير: أمل محمد الحسن
ورفع المحتجون من داخل الحوش، وهو اسم متدواول لمباني الهيئة في امدرمان، شعارات: “أين العدالة”، بعد أن عاقب المدير العام الموظف بقسم مولد الحروف، علي أبو القاسم، بخصم نصف راتبه على خلفية خطأ في اسم مذيعة، ونقله من إدارة الأخبار لإدارة البرامج.
ووصف المحتجون العقاب الإداري بالقاسي في مقابل خطأ لمرة واحدة.
وكان مولد الحروف قد كتب اسم المذيعة السودانية المعروفة، تسابيح خاطر، التي تعمل بقناة العربية الإخبارية، بدلاً عن اسم اختها، سماح خاطر، التي تعمل حديثاً بالتلفزيون القومي.
من جهة أخرى، طالب المتعاونون بالعدالة في الحصول على وظائف، بعد أن ظل بعضهم يعمل لأكثر من 15 سنة بدون وظيفة ثابتة، وراتب شهري لا يتعدى 6 آلاف جنيه (15 دولار).
تركة ثقيلة
بحسب المخرج التلفزيوني، ماهر عبد الرحيم، فإن التلفزيون القومي ظل طيلة فترة حكم الإنقاذ الذراع الإعلامي للحزب الحاكم.
وأضاف عبد الرحيم إنه عمل على تكسير ثورة ديسمبر عبر بث الأخبار الكاذبة، ومثل فيلم خفافيش الظلام الدليل الدامغ على عمل منسوبي المؤتمر الوطني والأمن الطلابي والشعبي ضمن كوادر المؤسسة.
لافتاً إلى أن بعضهم لبس ثوب الثورة ليعمل على إعادة حكم الإنقاذ المستبد إلى الواجهة مرة أخرى، على حد وصفه.
وأكد عبد الرحيم عمل منسوبي النظام السابق من داخل الحوش من أجل هدم أي خطط جديدة من شأنها خدمة مشروع الحكم المدني.
وفي ذات السياق، اتفق المدير السابق لإدارة البرامج، السر السيد، مع عبد الرحيم فيما ذهب إليه من وجود منسوبي النظام السابق الذين عملوا داخل الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون طوال 30 عام. مشدداً على عدم قدرة التلفزيون على التغيير في ظل تواجدهم.
وأضاف لـ(التغيير) إنه “لا يمكن نجاح التلفزيون بذات الكوادر القديمة، لابد من دماء جديدة؛ هذه سنة التغيير في الحياة”!.
وقال السيد إن المدير العام للهيئة يتعذر بعدم وجود الإمكانات الكافية لجلب كوادر جديدة، قاطعاً بضرورة تحمله لنتائج ابقائهم في مناصبهم.
ترهل إداري
من جانبه، يرى المدير السابق لإدارة الأخبار والشؤون السياسية، ماهر أبو الجوخ، أن الترهل الإداري بوجود (2000) موظف هو السبب الرئيس الذي يمنع الإصلاح في الهيئة.
وأكد أبو الجوخ لـ(التغيير) أن العاملين بشكل فعلي داخل الهيئة لا يتعدون ال400 موظف على أقصى تقدير، معتبراً أن الترهل الإداري يسبب مشكلة كبيرة في المنصرفات.
وقال أبو الجوخ إن الحل الجذري لمشكلة الهيئة يكمن في اتخاذ قرار سياسي شجاع بإقالة كافة موظفي الهيئة وفتح الباب للتوظيف حسب الاحتياج.
وتابع: “ذات المنتسبين القدامى يكون لهم حق المنافسة وكل من ينافس بنزاهة يجد فرصة”.
ماهر أبو الجوخ: عرفت خبر اقالتي عبر “الواتساب”
شكاوى حديثة
هذه الاحتجاجات المتكررة داخل الهيئة، برهنت على وجود عدد من المشكلات الإدارية والمالية. وأضافت إليها المذيعة، سلافة أبو ضفيرة، تقريب المدير العام، لقمان أحمد، لمن يمثلون “الدولة العميقة” في التلفزيون.
مؤكدة عملهم على تكسير أجندة التغيير الثورة، عبر رفض استضافة بعض قوى الثورة من ممثلي الجان التسيرية اللأطباء والمحامين.
وأردفت أبو ضفيرة: “كل ذلك يتم بعلم المدير العام”!.
وأكدت أبو ضفيرة ابعاد المدير العام لكل من لديه رؤى للإصلاح البرامجي.
وكشفت أبو ضفيرة عن وجود حالات من الفصل التعسفي دون التدقيق في قوانين الخدمة المدنية، مشيرة إلى حادثة انهاء تعاقد أحد المخرجين، الذي اكتشف أنه مفصول عن الخدمة بأثر رجعي في مارس، وقرار فصله صدر في يناير من العام الجاري.
وأعتبرت أبو ضفيرة إن هنالك فشل في إدارة الناس والموارد، لافتة إلى تململ العاملين الذين يهددون بالتصعيد.
واصفة المدير العام بـ”الديكتاتور”، في إشارة إلى التغييرات الإدارية الكبيرة التي قام بها من الغاء الإدارات العامة للبرامج والأخبار والشؤون السياسية، وتنحية مدراءها السابقين، ماهر أبو الجوخ والسر السيد.
وكان ماهر أبو الجوخ قد تم تعيينه بقرار من مجلس الوزراء لرئاسة إدارة الأخبار والشؤون السياسية في الهيئة، بينما قام وزير الإعلام السابق، فيصل محمد صالح، بتعيين السر السيد مديراً للإدارة العامة للبرامج، قبل أن يلغي المدير الحالي للهيئة، لقمان أحمد، القرارين.
السر السيد: الهيكل الجديد يكرس السلطات في يد المدير العام
تصفية حسابات
متفقاً مع أبو ضفيرة، أشار مدير البرامج السابق إلى تمركز كافة الصلاحيات في يد المدير العام، بعد أن قام بالتغييرات الإدارية الكبيرة.
وأضاف السيد في إفادته لـ(التغيير) إنه “يصعب على التلفزيون ان يساهم في البناء الديمقراطي لأنه لا يعيش الحالة الديمقراطية”!.
مؤكداً عودة الناس لمقاطعة التلفزيون القومي بسبب غياب الحساسية التي فرضتها اللحظات الأولى، والتي كان مهماً فيها وجود شخص مثل ماهر أبو الجوخ وحضور للحالة الثورية.
مبيناً أن الجميع في الهيئة انشغلوا بتصفية الحسابات السياسية، والذهاب لتصنيفات “ده كوز، وده ما كوز”، بعيداً عن العمل والبناء الحقيقي، على حد تعبيره.
ويرى أبو الجوخ إن التلفزيون القومي هو أحد أدوات الانتقال، ولا يجب أن يتم التعامل معه على أنه جهاز محايد في هذه الفترة.
وحول التغييرات الإدارية، قال أبو الجوخ إنه علم خبر انهاء وظيفته مديراً للإدارة العامة للأخبار والبرامج السياسية عبر “الواتساب”!
مؤكداً عدم مشاورته أو أخذ رأيه في القرار.
وحول التغييرات الإدارية التي أجراها المدير العام في البرامج والأخبار؛ أكد أبو الجوخ احداثها لخلل إداري.
مضيفاً: “أخطر إدارة قام بتفكيكها هي الشؤون الهندسية والمعلومات”.
وأعتبر أبو الجوخ إن سلسلة التغييرات التي أحدثها المدير العام، لقمان أحمد يجب أن تنتهي بتسمية مدير للتلفزيون وآخر للإذاعة، واصفا وجوده مديرا عاما في هذه الحالة بـ”المختل”!
كوادر شابة
ووفقاً للسر السيد، فإن مشاكل الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون مشاكل حقيقية وكبيرة جداً من غياب الرؤية وتكريس السلطة في يد شخص واحد إلى مشاكل عدم وجود الاستراحات، ودورات المياه.
مردفاً “حلول أوضاع التلفزيون تكمن في تغذيته بكوادر شابة ذات حساسية سياسية عالية، وتستوعب فترة الانتقال وضرورة الحديث عن بناء وطن يسع الجميع.
الجدير بالذكر أن (التغيير) اتصلت على المدير العام للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، لقمان أحمد، في محاولة لإبراز رده على كافة الاتهامات التي أثارها الموظفون الحاليون والمغادرون، إلا أنه اعتذر عن الرد.
وكان رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، قد أصدر قراراً في فبراير 2020 بتعيين، لقمان أحمد، مديراً عاماً للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، بناء على توصية وزير الإعلام السابق، فيصل محمد صالح.
وجاء تعيين لقمان خلفاً لوكيل وزارة الإعلام، رشيد سعيد يعقوب، الذي أدار الهيئة مكلفاً بعد انهاء تكليف إبراهيم البزعي.
وكان لقمان أحمد قبل استقدامه لإدارة الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون يعمل مديراً لمكتب قناة البي بي سي في واشنطن.