أخباراقتصادتقارير وتحقيقات

جرد حساب «9» أشهر.. هل حقق برنامج «سلعتي» جدواه الاقتصادية

دخل المرحلة السابعة

تعرض برنامج «سلعتي» الذي ابتكرته الحكومة السودانية لمكافحة غلاء الأسعار والتخفيف على المواطنين، إلى انتقادات حادة، وواجه صعوبات جعلت منه مادة دسمة للأخذ والرد.

التغيير- سارة تاج السر

في ظل تهاوي العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم، تمضي الحكومة في استكمال برنامج «سلعتي» الذي تبنته منذ سبتمبر الماضي، لكبح جماح الغلاء وانهاء الاحتكار والمضاربات، وذلك بتوفير «10» سلع أساسية توزع عبر التعاونيات بأسعار تتراوح ما بين «20- 40%» من أسعار السوق.

ولكن بعد مرور «9» أشهر من انطلاق البرنامج ومع تفاقم الازمة الاقتصادية تطرح الكثير من الأسئلة نفسها بشأن مدى جدوى المشروع الاقتصادية، وهل أسهم فعلاً في حل الضائقة المعيشية، وما هو مستقبله، وما هي ابرز التحديات التي تواجهه؟!

أرقام

«سلعتي» هو برنامج حكومي تتولى تنفيذه الشركة السودانية للسلع الاستهلاكية المحدودة  لتوفير السلع بأقل الأسعار عن طريق التعاقد المباشر من المنتجين بتمويل من وزارة المالية وتخطيط وإشراف ومتابعة من وزارتي التجارة والصناعة.

وتشمل السلع السكر، زيت الطعام، دقيق قمح، دقيق ذرة، بجانب الصلصة، العدس، الأرز، الصابون، الشاي ولبن البودرة.

وتخطط الشركة للوصول إلى «27» مليون مواطن مستقبلاً، وإدخال منتجات جديدة كالألبان واللحوم والخضراوات، لتبلغ عدد السلع «18» سلعة المقترحة والمعتمدة في دراسة المشروع.

 ارتفاع أسعار سلعتي لأكثر من «3» أضعاف بنهاية يونيو

قفزة أسعار «سلعتي»

رغم أن البرنامج يهدف إلى تخفيف الضغط المعيشي على المواطن إلا أنه لم يفلح في تثبيت الأسعار ووقف تصاعدها المتوالي، حيث تعتمد سياسة التسعيرة على قيمة التعاقد مع المنتجين والمصنعين، وتظل أسعار البرنامج ثابتة ولكن للكميات المشتراة حتى نفاد الحصص الشهرية المتعاقد عليها.

لذلك تلاحظ زيادة قيمة أصناف الحصة الأولى من «سلعتي»، إلى أكثر من «3» أضعاف خلال الحصة السادسة التي طرحت في يونيو المنتهي.

وبلغ سعر عبوة الزيت «2.25» لتر (صباح، شمس، الطيب) «893» جنيه للجمعية التعاونية و«919» جنيه للعضو التعاوني، ودقيق القمح (الأول) عبوة واحد كيلو «850» جنيه للجمعيات مقابل «880» جنيه للفرد التعاوني، فيما بلغ دقيق الذرة (زادنا) «940» جنيه للجمعيات و«970» للفرد التعاوني.

ووصل سعر بيع صابون البودرة (الدولار) عبوة «3» كيلو للجمعيات «346» جنيه، نظير «357» للفرد التعاوني، وقيمة شاي (الملك) عبوة «450» جرام للجمعيات «211» جنيه، و«218» جنيه للفرد التعاوني.

بينما طرح البرنامج السكر عبوة «10» كيلو (بني اللون من الشركة السودانية للسكر) بسعر «770» جنيه للتعاونيات و«792» جنيه للفرد التعاوني، عدس (فيرست) عبوة واحد كيلو بقيمة «203» جنيه للجمعيات و«209» للعضو التعاوني، أرز بسمتي (كراون) عبوة واحد كيلو «214» جنيه للجمعيات و«220» جنيه للفرد التعاوني، أما أرز (المدينة) فقد جاء سعره أقل بأكثر من «80» جنيهاً للجمعيات والفرد التعاوني أي ما يعادل «130» و«135» جنيه على التوالي، وبلغ سعر صلصة (العصفور) عبوة «400» جرام «120» جنيه للجمعيات وبزيادة «5» جنيهات للفرد التعاوني، وبلغ سعر إجمالي الحصة الأولى «4900» جنيه.

وارتفع سعر «الكوتة» في الحصة الثانية إلى «6130» جنيه، وبلغت قيمة الحصة الثالثة «6818» جنيه بزيادة طفيفة، ليصل السعر في الحصة الرابعة إلى «11.302» جنيه، وفي الحصة الخامسة إلى «11.917» جنيه.

سلع استهلاكية

وفي يونيو قفزت الأسعار بوتيرة أسرع وبلغت قيمة الحصة السادسة «14.400»، ووصل سعر الزيت عبوة «4.25» لتر (صباح، شمس، الطيب) إلى «3104» جنيه للجمعيات التعاونية، و«3197» جنيه للفرد التعاوني، أما دقيق القمح (الأول) والذرة (زادنا) عبوة واحد كيلو، فبلغا «237» جنيه للجمعيات و«244» جنيه للفرد التعاوني.

وحدّدت الشركة سعر «2425» جنيه لجوال السكر عبوة «10» كيلو (بني اللون من الشركة السودانية للسكر) للجمعيات التعاونية و«2497» جنيه للفرد التعاوني، وبلغت عبوة الشاي «450» جرام (نبتة) «463» جنيه للجمعيات و«477» للفرد التعاوني، أما صابون (أصيل، وايد) عبوة «5» مليون فبلغ سعرها «1144» جنيه للجمعيات و«1178» للفرد التعاوني.

وبلغ سعر عبوة واحد كليو من العدس (فيرست، زادنا، البرنس) «417» جنيه للجمعيات و«492» جنيه للفرد التعاوني، لبن البودرة عبوة واحد كيلو (جونبر) للجمعيات «1358» جنيه وللفرد التعاوني «1398» جنيه، أرز (مياسم) واحد كيلو «338» جنيه للجمعيات و«348» جنيه للفرد، فيما بلغت قيمة الصلصلة عبوة «400» جرام «286» جنيه للجمعيات و«294» جنيه للفرد التعاوني.

مواطنون: الأسعار قريبة من السوق وعلى البرنامج بدء إنتاج بعض السلع

شكاوى المواطنين

«الأسعار عالية وقريبة من السوق».. بهذه العبارة وصف المواطن سالم سليمان، تسعيرة السلع المطروحة في البرنامج، وشدّد على المسؤولين بالمشروع بضرورة العمل لتخفيضها.

وتساءل وليد خليفة عن دور «سلعتي» في وقف التضخم المستمر وإنهاء جشع التجار، وقال: «لا يمكن أن نظل في محطة 10 سلع التي تشترى من القطاع الخاص والتي زادت أسعارها من 3 آلاف جنيه في الشهر الاول لأكثر من 14 ألف في الشهر السادس».

واقترح وليد على البرنامج البدء في إنتاج بعض السلع كالعدس والأرز والصابون بالاستفادة من الأصول الضخمة التي استردتها لجنة إزالة التمكين.

شكاوى من تدني جودة بعض الأصناف المطروحة

رداءة النوعية

مضاعفة الأسعار في «سلعتي» لم تكن الملاحظة الوحيدة على البرنامج، فقد شكا مواطنون من تدني جودة بعض الأصناف المطروحة مثل لبن بودرة (جونير)، شاي (نبتة)، سكر (الشركة السودانية)، صلصة (العصفور)، وطالبوا بالتعاقد مع شركات سكر كنانة وكوفتي وكابو.

لكن رد مسؤولي البرنامج جاء سريعاً بأن منتجات تلك الشركات باهظة جداً، ولا سبيل للتعاقد معها في الوقت الراهن.

وأكد كرار في تعليقه على هذه النقطة، بأن البرنامج يخدم مجموعات المنتجين الرأسماليين التي تعاني من كساد اقتصادي أو لديها إشكالات في توزيع منتجاتها.

ولفت إلى أن «سلعتي» خلق لتلك المجموعات منافذ للتوزيع مع الحفاظ على أرباحهم.

انتهاء صلاحية

وكتب المواطن ناصر حسين يوسف معلقاً على صفحة «سلعتي» بـ«فيسبوك»: «عدس زادنا.. تاريخ الانتهاء يوليو 2021م يعني أقل من شهر..». وأضاف: «مش عيب».

ورغم محاولة المشرف على الصفحة استبعاد ما أثاره ناصر، إلا أن الأخير أبدى استعداده لايصال المنتج المذكور إلى مقر المشروع مع الإعلان عن اسم وعنوان الجمعية التعاونية التي سلمت مشتركيها حصصهم يوم 18 يونيو.

ورد عليه المشرف بأنه إذا ثبتت صحة ما ذكره فهو خطأ كبير وطالبه باحضار العدس الذي شارفت صلاحيته على الانتهاء لتبديله، واستفسر عن اسم الجمعية إلا أن ناصر أوضح أنه سيسلم «سلعتي» المنتج لإثبات صحة الواقعة وليس للتبديل.

خبير اقتصادي: البرنامج مرهق وفاشل وسيتوقف بسبب الديون أو الخلافات

تجربة فاشلة

الخبير الاقتصادي، القيادي بالحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، عاب على «سلعتي» عدم النظر في كيفية تثييت الأسعار وتقليل التكلفة والحفاظ على السعر بالجنيه مقابل الدولار.

ووصف البرنامج بالمرهق والفاشل، وتوقع توقفه إما بسبب تراكم الديون أو وقوع خلافات بين البرنامج والمنتجين والمصنعين.

وقال كرار لـ«التغيير»: «الحكومة إذا لديها القدرة على إزاحة الوسطاء وتوصيل السلعة للمستهلك مباشرة، فمن الأولى خلق الآلية للرقابة على السوق والقضاء على السماسرة».

مدير البرنامج: التضخم أسهم في زيادة السعر ورغم ذلك «سلعتي» أقل من السوق بكثير

تأثير الدولار والتضخم

مدير برنامج «سلعتي»، نائب رئيس الشركة السودانية للسلع الاستهلاكية المحدودة مجاهد علي الحسن، أقر في حديثه لـ«التغيير»، بأن أسعار السلع في بداية البرنامج والذي تزامن مع زيادة المرتبات، كانت مناسبة خاصة لمحدودي الدخل.

مدير برنامج سلعتي مجاهد علي

واعتبر أن قفزة معدلات التضخم أسهمت في خلق فرق كبير في السعر منذ المرحلة الرابعة ثم الخامسة لهبوط قيمة الجنيه وزيادة الدولار والانفلات الذي حدث خلال الشهرين الماضيين.

ورغم ذلك أكد علي، أن لـ«سلعتي» فرق من السوق الموازي يصل في بعض السلع ما بين «40- 50%».

ومن التحديات الأخرى التي ذكر علي أن المشروع يواجهها، تكوين الجمعيات التعاونية نفسها إما لنقص الوعي أو عدم إدراك مفهوم التعاون، لكونها إدارات قديمة تم إحالتها للتعاون «قراش» كإجراء عقابي لكل ناقد أو معارض لسياسات النظام في وزارة المالية، وأكد أن الأمر يحتاج إلى جهد بالغ من ادارة التعاون.

البرنامج: تسجيل الأسر في «ثمرات» يضمن لها الحصول على تمويل «سلعتي»

«سلعتي» والتسجيل في «ثمرات»

في محاولة لمعالجة عدم ثبات أسعار «سلعتي»، نوه مسؤول البرنامج، إلى ربط مشروعي «سلعتي» و«ثمرات» بالتوازي، حيث يوفر الأول «5» دولارات كحد أدنى لأسرة من «5» أفراد، ليصلها شهرياً ما يعادل «25» دولار، وقال: «إذا كانت الأسرة تعاني مالياً فإن تسجيلك في ثمرات يضمن لك الحصول على تمويل سلعتي التي تكفي الأسرة شهراً كاملاً وبالتالي لا يؤثر ذلك على الدخل الشخصي لأنها تعتبر منحة مجانية من الدولة».

تعديل السياسة الاقتصادية

لكن كرار اعتبر- حسب تقديره- أن «سلعتي» محاولة لاجهاض فكرة التعاونيات، ورأى أن إخراج الدولة من النشاط الاقتصادي وسياسة التحرير ورفع الدعم وعدم الرقابة على الأسواق، تهزم أي فكرة من أجل تحقيق الإنتاج سواء ببرنامج  سلعي أو تعاوني.

وقال: «ما لم تتعدل أركان السياسة الاقتصادية ويصبح للدولة المقدرة على توفير السلع بأسعار بسيطة للمستهلك يبقي الحديث عن تخفيف الضائقة المعيشية مجرد أوهام، وأن البرنامج معني بتوزيع السلع الاستهلاكية على الناس ولا علاقة له بخفض ثمنها أو تثييت سعرها».

رفع سقف التمويل

اتفقت «سلعتي» مع هيئة سكك حديد السودان، على نقل السلع، لولايات «الجزيرة، سنار، النيل الأبيض، شمال كردفان، البحر الأحمر، نهر النيل، كسلا والقضارف»، وذلك في اطار خطتها للتوسع في الولايات بتكلفة ترحيل أقل.

وقال مدير البرنامج إن التنفيذ سيبدأ فوراً، وأكد أن إدخال الناقل الوطني في العمليات اللوجستية تم أثناء الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك الأسبوع الماضي ببرنامج «سلعتي» في حضور ولاة الولايات. وأوضح أن الاجتماع استعرض البرنامج وأهدافه، كما تطرق للتحديات التي تواجهه.

ولفت إلى أن خطة البرنامج المطروحة للولايات حسب التزام وزارة المالية برفع سقف التمويل لعشرة مليارات (تريليون) تتمثل في توفير «60» ألف حصة لكل ولاية من ولايات دارفور الخمس، عن شهري يوليو وأغسطس، والانخراط في تنفيذها فوراً لتدارك إشكاليات انقطاع الطرق في الخريف، وتوفير حصتي يوليو وأغسطس لولايتي غرب وجنوب كردفان لنحو «60» ألف أسرة وذلك لإشكاليات الخريف أيضاً، على أن تقوم الولايتان بإصدار شيك ضمان بالسداد الآجل من البنوك التجارية أو بنك السودان المركزي خلال «15» يوماً بعد استلام الحصة، فيما تخصص لولاية البحر الأحمر «40» ألف حصة، بشيك آجل خلال «10» أيام من تاريخ استلام السلع.

أما بقية الولايات، فسيتم توفير حصص «30» ألف أسرة عن يوليو بشيك ضمان آجل بالسداد من أحد البنوك التجارية أو بنك السودان خلال «10» أيام بعد استلام السلع.

مطلوبات من الولايات

وأكد مدير برنامج «سلعتي»، أن الولايات التي ستصلها حصصها عبر السكك الحديدية وهي «9» من مجموع «18» ولاية، وستخصم نسبة «2%» لصالح الجمعيات لتنفيذ عملية النقل، على أن تتكفل الولايات بالترحيل للمحليات وتحتفظ الجمعيات بنسبة «1%» لتغطية المصروفات الأخرى، فيما تستخدم الشاحنات في الترحيل للولايات القريبة.

وقال إن كل ولاية ستقوم بتجهيز مخازن وموظفين من وزارة المالية الولائية، بجانب فتح حسابات مخصصة لتحصيل مبالغ «سلعتي» من الجمعيات عبر وزارة المالية الولائية، وشدد على الأخيرة بضرورة الإسراع في تنفيذ حزمة التمويل في موعدها حتى لا تتأثر خطة «سلعتي» الاسعافية.

بالرغم من ثقة الحكومة وإدارة المشروع في أن «سلعتي» سيحقق الإسهام المرجو منه في التخفيف على المواطن السوداني، إلا أن الأسئلة والمخاوف والملاحظات التي ذكرها المواطنون والخبراء تظل مشرعة ومشروعة خاصة في ظل عدم ثبات أسعار السلع وتزايد معدلات التضخم يوماً بعد آخر، الأمر الذي يجعل مستقبل المشروع غير قابل للتنبؤ به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى