إغلاق الميناء والطريق القومي.. خسائر فادحة و«شبهة تآمر»

تباينت تقديرات خسائر إغلاق الموانئ والطريق القومي الذي يربط شرق السودان ببقية البلاد من قبل المحتجين، لكن المراقبين أجمعوا على خطورة استمرار هذا الأمر لفترة أطول، وتساءلوا بشأن كيفية تعويض تلك الخسائر.
التغيير- الفاضل إبراهيم
يوما بعد آخر، تتزايد خسائر إغلاق الميناء الرئيسي ببورتسودان والطريق القومي الرابط لشرق السودان مع بقية البلاد، من قبل أنصار رئيس مجلس نظارات البجا محمد الأمين ترك، الذين يطالبون بإلغاء مسار شرق السودان في اتفاقية جوبا للسلام التي أبرمت في 3 أكتوبر 2020م.
وخلف إغلاق الميناء والطرق الرئيسية، خسائر مالية كبيرة وخلق إشكاليات ندرة بالعاصمة والولايات لدرجة أن مجلس الوزراء السوداني دق ناقوس الخطر بشان تناقص الأدوية المنقذة للحياة.
فيما أكدت الغرفة المركزية للقمح أن المخزون يكفي حاجة البلاد لحوالي شهر.
بينما حذّر تجمع أصحاب المخابز بولاية الخرطوم، من ندرة حقيقية في دقيق الخبز وتراجع الحصص المُقررة للمخابز نتيجة لتداعيات الإغلاق.
فاقد الإيرادات
وقُدِّر فاقد الإيراد اليومي لإغلاق الموانئ بـ«250» ألف يورو تقريباً، وسط تساؤلات حول من يدفع الخسائر، غير أن المؤكد أن المواطن هو المتضرر الأول والأخير.
الميناء الجنوبي الذي يُفرغ نحو «1250» حاوية يومياً بما يجعله يستحوذ على «85%» من صادرات وواردات السودان مغلق تماماً، فيما تشير تسريبات لوجود نشاط محدود في الميناء الشمالي، بينما اتجه العديد من المصدرين والمستوردين السودانيين إلى استخدام ميناء العين السخنة بمصر.
خسائر الميناء
وقال عضو سكرتارية تجمع موظفي وعمال الموانئ صديق سمرة، إن الإغلاق تم يوم الجمعة قبل الأخير من الشهر الماضي، وبعدها تم قفل ميناء سواكن، ولكن بعض الموانئ الأخرى تعمل جزئياً، غير أن نشاطها ضعيف نسبة لارتباط العمل مع بعضه البعض.
وتترواح خسائر ميناء سواكن وعثمان دقنة ما بين «20- 25» مليار جنيه يومياً، وخسائر الميناء الجنوبي بـ«8.737.641» يورو يومياً.
وأصاف سمرة لـ«التغيير»: «إن التوقف الطويل سيؤدي لتعطل الآليات والكرينات والآليات وبالتالي يصعب تشغيلها من جديد خاصةً وأن تلك المعدات تعمل بجهد ذاتي حيث تآكلت بفعل الضغط والتوقف سيؤثر عليها بصورة كبيرة، ولذلك إعادة تشغيل تلك الآليات يحتاج لمجهود جبار».
تضرر العمال
ونوه سمرة إلى أن هنالك حوالي «14» ألف عامل بالميناء، وبغض النظر عن الجوانب السياسية فهؤلاء متضررون باعتبار أن قضاياهم لا تنفصل عن الراهن الاقتصادي الموجود وارتفاع تكاليف المعيشة.
وتابع: «ولكن حقيقة الإغلاق جاء في وقت بداء الإنتاج يرتفع عن السابق عقب إصلاح بعض الأعطال ودخول 2 من الكرينات للخدمة».
وأشار إلى مقترحات تقدّم بها بعض العمال لاستئناف العمل بشكل جزئي في الميناء، مع استمرار الإغلاق حتى لا يتضرر الجميع وفي نفس الوقت لا يخل هذا الأمر بمطالب مناصري إلغاء «مسار الشرق».
تشكيك
وشدّد سمرة على ضرورة تطوير وتحسين في الميناء حتى تصير في مصاف الموانئ العالمية، وحالياً في ظل الأزمة رحّبت مصر بمرور صادرات السودان عبر أراضيها الأمر الذي يشير إلى فرضية وجود صراع محاور في المنطقة.
وقال إن الإغلاق يشير إلى أن هنالك شئ في الخفاء ربما من بعض الجهات التي تحاول استغلاله لتجفيف الميناء فشبح الخصخصة لازال يراود البعض.
وأضاف: «لو كان الميناء الجنوبي ذي أهمية كان الوفد المفاوض سيجد له حل كما حدث في ميناء بشائر للنفط- خط بترول الجنوب».
احتجاز شاحنات
وكشف بيان لغرفة النقل- تحصلت عليه «التغيير»- عن حجز أكثر من «1000» شاحنة منها «500» شاحنة محملة بالقمح والبضائع، بجانب «200» تانكر وقود منها «100» فيرنس خاصة بالكهرباء و«50» تانكر جازولين للولايات و«10» تانكر غاز طيران و«30» تانكر وقود تخص شركة سكر كنانة.
وأشار البيان إلى «349» شاحنة بضاعة محجوزة في بورتسودان و«120» من شاحنات صوامع الغلال وقدرت الغرفة خسائرها اليومية بـ«300» ألف دولار.
سحب السفن
ووصف أستاذ الاقتصاد البروفيسور إبراهيم أونور، تداعيات إغلاق ميناء بورتسودان والطريق القومي بالمدمرة للاقتصاد السوداني.
وكشف أونور لـ«التغيير»، عن صدور توجيهات بواسطة المنظمات الدولية المختصة بالملاحة للسفن بعدم الرسوم في موانئ السودان نتيجة لوجود إشكاليات سياسية.
وقال إن بعض الشركات والحكومة ستدفع تكاليف باهظة جداً نتيجة التأخير في تفريغ بعض السفن التي تزامن وصولها مع الأيام الأولى للإغلاق حيث أن تكلفة التأخير في اليوم الواحد «25» ألف دولار، كما أن هنالك بضائع وحاويات مخزنة ومحجوزة سيتضرر أصحابها بصورة كبيرة.
الاعتماد على الخارج
ونوه أونور إلى أن معظم احتياجات السودان من المواد الأساسية «الأغذية والإسبيرات ومدخلات الإنتاج» تستورد بنسبة «80%» من الخارج.
وأشار إلى أن البلاد لم تتأثر خلال الفترة الماضية بالإغلاق نسبة لوجود احتياطي من هذه المواد، لكنها بدأت تنفد وستظهر الفجوة خلال الأيام القادمة بصورة كبيرة جداً خاصةً في الدقيق والمواد التموينية.
ودعا أونور الحكومة إلى التحرك بسرعة لحل مشكلة الشرق حتى لو اضطرت لإلغاء المسار وفتح الميناء ومن ثم التفاوض السياسي لحل المشكلة.
خسائر مستمرة
وأكد الأمين العام لغرفة المصدرين السودانيين محمد سليمان لـ«التغيير»، أن الضرر من إغلاق الميناء يزيد كل يوم وخسائره بالمليارات.
وكشف أن جملة خسائر المصدرين تبلغ مليار دولار شهرياً، وأشار إلى أنهم خلال الستة أشهر الماضية قاموا بتصدير ما قيمته «6» مليارات دولار.
وقال إن الضرر على أربعة قطاعات رئيسية «المصدرين والمستوردين وغرف النقل والتوكيلات الملاحية».
وأشار إلى مخاطبتهم وزارة المالية وإدارة الموانئ لمعالجة قضية البضائع المحجوزة في الموانئ والتي تزيد الرسوم الأرضية لها كل يوم.
وفيما يتعلق بالأزمة السياسية، أكد سليمان أنهم خاطبوا اتحاد اصحاب العمل للقيام بمبادرة لحل المشكلة.
استثناء
من ناحيته، أوضح الأمين العام لغرفة البصات السفرية حسن عبد الله، أن منسوبي الغرفة لم يتضرروا من الإغلاق نتيجة لوجود اتفاق يقضي بالسماح لهم بالمرور أسوة بسيارات القوات النظامية.
وقال: «الضرر الذي وقع علينا هو ضرر عام وليس خاص».
وكشف لـ«التغيير»، عن تسيير «30» رحلة من بورتسودان لكل مدن السودان وحوالي «18» رحلة من الخرطوم لبورتسودان.
وأشار إلى أن إغلاق الطريق بالشمالية كان لساعات.
ونبه إلى أن الوضع الاقتصادي و«كورونا» أدى لانخفاض معدل الرحلات بشكل عام إلى «40%» عن السابق.
تجفيف الميناء
ولم يستبعد القيادي بشرق السودان محمود بدلي، أن يكون وراء إغلاق الموانئ بشرق السودان جهات خارجية تسعى لتجفيف ميناء بورتسودان وسواكن ومن ثم تشريد العاملين.
ودعا بدلي في حديثه لـ«التغيير»، أبناء شرق السودان للانتباه والحذر من الانسياق وراء هذا المخطط حتي لا يتضرروا في المستقبل لأن إيقاف الميناء يمثل كارثة لأهل الشرق الذين يعتمدون بصورة كبيرة على الموانئ.
وقال إن محاولات تجفيف الميناء بدأت منذ الإنقاذ ومستمرة حتى الآن.
وأضاف: «الآن هنالك دعوى لاستخدام الموانئ البديلة والقريبة في مصر وهذا الأمر ليس في مصلحة السودان ولا حتى أبناء الشرق الذين يخربون بيوتهم بايديهم ونتمنى أن يستيقظوا قبل فوات الأوان».
إشكاليات
وكشف الأمين العام لغرفة المستوردين مزمل الكردي، عن اجتماع لأعضاء الغرفة التجارية لمناقشة تبعات إغلاق الميناء.
وقال في حديث مقتضب لـ«التغيير»، إن التجار والمستوردين لديهم أصلا إشكاليات ورسوم أرضية بسبب عطل في السيستم لمدة «10» أيام قبل الإغلاق مما أدى لعدم تخليص البضائع الأمر الذي ترتب عليه زيادة في الرسوم الأرضية ثم حدث الإغلاق وتضاعفت الخسائر في وقت كان من المفترض أن تشهد فيه البلاد انفتاحاً عقب رفع اسم السودان من القائمة والدعم الكبير من المؤسسات الدولية المالية للسودان.
السم في الدسم
من جانبهم، دعا تجمع عمال وموظفي هيئة الموانئ البحرية، حكومة الثورة لحل القضية بصورة عادلة تعبِّر عن تلك الحقوق دون تسويف أو مناورة حتى ينعم إنسان هذه المناطق بالمواطنة التي يتوق إليها منذ أمد بعيد، وحتى تجسد الثورة شعاراتها التي طالما ضحى الشعب من أجل أن يراها واقعاً ملموساً.
وقال بيان صادر عن التجمع، إن هنالك من يدس السموم في القضية لتحقيق أطماع خاصة في الموانئ السودانية «لما لها من أهمية اقتصادية وجغرافية يسيل لها لعاب تلك الأيادي الخارجية وبعض بائعي الأوطان من الخونة والانتهازيين».
وأكد عدم تخليهم عن كل القضايا التي تمس حقوق الشعب وسيادة الوطن.