أخبارأعمدة ومقالات

الإنقلاب و الخيارات الإستراتيجية نحو التحول الديمقراطى

صلاح جلال

الإنقلاب و الخيارات الإستراتيجية نحو التحول الديمقراطى

صلاح جلال

الديمقراطيون عبر التاريخ فى كل المجتمعات هم قوى الخير والتضحية وغيرهم قوى الشر والفتنة، ميزة الديمقراطية عن الأنظمة الأخرى فى منع تعسف السلطة ورسم حدود لها وفق الدستور والقانون ويمكن تغييرها بآجال زمنية معلومة ومتعاقد عليها ، الأنظمة الإنتقالية نحو الديمقراطية عملية معقدة لأنها تشكل قطع مع مرحلة الديكتاتورية والسلطوية ووصل عبر فعل ثورى شعبى نحو نظام للحريات العامة والمدنية تأتى فيه طموحات الجماهير دفقة واحدة للمطالبة بنظام يحقق العزة والكرامة الإنسانية والرفاه الإقتصادى والعدالة المثالية وطموحات فى سماء مفتوح لملامسة النجوم أزمة الثورة الخالدة عدم ضبط التوقعات ،مقابل واقع دولة شمولية معزولة ومعطوبة المؤسسات بفعل التسلط على كافة المستويات الخدمة المدنية والعسكرية والأجهزة العدلية ، لذلك ينبعث بشكل جلى جدل البيضة والدجاجة أيهم أولاً إعادة بناء المؤسسات أم تحسين السياسات ، أى نظام إنتقالى يقوم على شرعية إفتراضية لاتصلح دون حد أدنى من الإجماع والتوافق بين نخب الثورة، إذا فقدت النخب الثورية الحد الأدنى من الإجماع فيما بينها فقدت جزء من شرعيتها الثورية، المراحل الإنتقالية من صفاتها أنها عملية مفتوحة للتسوية والمساومةالمستمرة لذلك تحتاج لقدرات عالية Skills فى إدارة هذا المنبر الفعال على أى مرحلة إنتقالية أن تجيب بوضوح دون إلتباس ماذا بعد سقوط النظام بالفعل الثورى ؟
فى حالة السودان فى ٢٠١٩م كان الهدف مركب من عدة أهداف *أولها قيادة البلاد نحو الإنتقال من الشمولية المتسلطة إلى التحول الديمقراطى الذى يجب ختمه بالإنتخابات العادلة الحرة والشفافة لتفويض سياسي لإكمال مهام الثورة والإنتقال المدنى الديمقراطى والهدف *الثانى كان هو تحقيق السلام العادل الشامل الذى ينهى الحرب ويحقق الإستقرار فى كل أنحاء البلاد والهدف *الثالث كان مواجهة الأزمة الإقتصادية ببرنامج إصلاح مرحلى يوقف التدهور ويحسن معيشة المواطنين والهدف *الرابع إعادة بناء أجهزة الدولة الخدمة المدنية والأجهزة العدلية والأجهزة العسكرية والأمنية والهدف *الخامس تصفية نظام الإنقاذ المباد رموز ومؤسسات سياسية وإقتصادية ومحاكمة كل من إرتكب مخالفة للقانون ، هذه الأهداف الموجزة على وضوحها ضخمة ومعقدة تحتاج لقدر من التوافق السياسي للعبور بالإنتقال إلى مرافئ النجاح، تمت محاولات مقدرة من كل أطراف الإنتقال للعبور والتركيز على القضايا ولكن كانت هناك عقبات معلنة وأخرى خفية عصية على التجاوز شملت الشريك العسكرى وقوى الحرية والتغيير والفاعلين الآخرين فى الساحة السياسية من لجان مقاومة وفلول النظام المباد .

إنفجرت كل هذه العبوات السلبية فى قرارات القائد العام للقوات المسلحة فى ٢٥ إكتوبر ٢٠٢١م ، ما حدث فى ذلك الصباح دون أى توصيف زئبقى مراوق هو *إنقلاب عسكرى قام على مصادرة العملية السياسية بكاملها بإسم القوات المسلحة والدعم السريع وبقية الأجهزة الأمنية، من هنا يجب علينا قول كل الحقيقة وليست نصفها وترك النصف الثانى للشيطان
نعم إرتكبت قيادة القوات المسلحة الخطيئة الكبرى بمصادرتها للثورة، ولكن لماذا حدث ذلك؟ يجب علينا فحص ومعرفة كل الملابسات What went wrong؟ فى كافة أطراف العملية السياسية الإنتقالية التى قادت إلى هذا الإنسداد العظيم على صعيد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وقوى الحرية التغيير الحاضنة السياسيةوقوى السلام ولجان المقاومة والفاعلين السياسيين خارج الحرية والتغيير والفلول، رسم هذه المشهد وإعادة تركيبه بمهنية وإحترافية يعطى الصورة الحقيقية لفهم ماحدث فى ذلك الصباح متجاوزين عقدة الجانى والضحية وأنصاف الحقائق.

💎 القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.

نهاية شهر ديسمبر ٢٠١٨م إندلعت مظاهرات شعبية واسعة عمت أرجاء البلاد فى المركز والأقاليم وتصاعدت وتيرتها حتى بلغت ذروتها فى ٦ أبريل ٢٠١٩م بالإعتصام المشهود أمام مبانى القيادة العامة للقوات المسلحة ، إنحازت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية تحت الضغط الشعبى لأهداف الثورة دون تفسير، هل الإنحياز كان تقية وإنحناء للعاصفة؟، أم قناعة بالإنتقال للديمقراطية؟، أم طمع ومنافسة من أجل السيطرة على السلطة فى أروقة النظام المباد؟، لاعلينا بمحاكمة النوايا علينا بالنتائج الملموسة لذلك الإنحياز فقد حقن دماء السودانيين وجنب البلاد سيناريوهات معقدة مثل السيناريو السورى الذى إنحاز فيه الجيش للسلطة وكانت النتيجة تحول الثورة للحرب الأهلية، أو المثال التونسي الذى إنحازت فيه القوات المسلحة الى جانب الثوار وأنهت حكم الرئيس زين العابدين بن علي وفتحت طريق آمن لإنتقال ديمقراطى إنتهى لدورتين إنتخابيتين بسلام مجتمعى أو النموذج الثالث فهو نموزج اليمن إنحاز الجيش لبعض الوقت للثورة وساند عملية سياسية إنتقالية بدأت مبشرة وإنتهت لإنهيار الجيش فى منتصف الطريق وسيطرة المليشيات والحرب الأهلية على المشهد ، أما النموذج الرابع فهو التجربة الليبية التى بدأت سلمية ثم مسلحة وبمساعدة الحلف العسكرى الأوربى هزمت نظام القذافى وأقامت نظام توافقى إنتقالى أجرى إنتخابات حرة مرتين غير مُجمع على نتيجتها قادت البلاد إلى حرب أهلية مازالت تداعيتها المكلفة مفتوحة، القوات المسلحة فى السودان إنحازت للثورة وشكلت *شريك مع القوى الثورية النظام التوافقى الإنتقالى من خلال إعتماد وثيقة دستورية وبرنامج سياسي.

السؤال لماذا إنقلبت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية على النظام الإنتقالى الديمقراطى؟ بالنظر لتجارب الإنتقال فى أوربا الشرقية والعالم العربى وأمريكا اللاتينية أن هناك قضايا مسكوت عنها تتعلق بطموحات داخل الأجهزة الأمنية أو مخاوف أو أطماع عدم مخاطبتها بطريقة صحيحة وفى التوقيت المناسب يفتح الطريق للمغامرات (الحجر المدفون بكسر المحرات) حِكمة سودانية ، الجيوش الأمنية فى المراحل الإنتقالية دورها مهم وحاسم للإستقرار ، يجب الإهتمام بالرأى العام داخل القوات المسلحة، خاصة إذا إعتقد الجيش أن الإنتقال الديمقراطى مضراً به كمؤسسة ومتعارض مع مصالح منسوبيه إذا كانت لهم مصالح راسخة فى الدولة والإقتصاد موروثة من حقبة الشمولية، يجب أن يعلموا فى الديمقراطية يتم إخضاع جميع المصالح للفحص والنقاش للتأكد من مشروعيتها هذا ليس إستهداف بل من جوهر طبيعة النظام الديمقراطى ، لإنجاح التحول الديمقراطى يجب التفاوض مع المعتدلين فى قيادة الجيش لمرحلة الإصلاحات المطلوبة بالمساومة والتدرج خصماً على هذه المصالح وإستبعاد المواجهات الحدية والكلامية غير الضرورية ، لكى ننجح لتمرير الإنتقال بسلاسة يجب أن تكون مراقبة الرأى العام داخل الأجهزة النظامية من القضايا المهم متابعتها وتقييمها بشكل مستمر ، حتى نضمن أن هناك رضى لايقل عن نصف هذه المؤسسات حتى تكون هناك قوة ذات روح معنوية عالية للدفاع عن مكاسب الإنتقال والتصدى بحزم لأى مخربين يتطلعون لمصادرة الحريات والحكم الإنتقالى ببساطة إذا عارضت القوات المسلحة بأغلبيتها العملية الإنتقالية ستكون البلاد عُرضه للإنقلابات والمغامرات غير المحسوبة التى تقود لديكتاتورية أو مقاومة مدنية يدفعها اليأس من التغيير إلى حمل السلاح وخلق مقدمة موضوعية لحرب أهلية فى البلاد، كما حدث فى بلدان أخرى والنماذج حاضرة ومازالت خضراء وندية فى الذاكرة وتجارب الشعوب. إنقلاب ٢٥ إكتوبر ٢٠٢١م فى دوافعه خليط من الطموحات والمخاوف والأطماع و ردود الأفعال، هناك خلط مفاهيمى واضح لدى قيادة القوات المسلحة فى عدم وضوح الفرق بين مفهوم الهيمنة والتشاركية فى ظل حكم إنتقالى مما جعل قائد الجيش يردد مفهوم الوصاية، وهى تمثل تناقض العسكريتاريا التاريخى فى إعلانهم البعد عن السياسة وممارستها ، وترفعهم عن المدنيين الذى يقود للوصاية عليهم ، يجب مناقشة هذه المعطيات بوضوح ومعالجتها من خلال صياغة ميثاق شرف مدنى- عسكرى يهدى الخواطر ويعالج القضايا، حتى لانضع الشعب بين خيارين الفوضى أو الإستبداد هناك خيارات كثيرة ممكنة منها التوافق الفعال الذى يحدد الواجبات والمسئوليات بين شركاء الإنتقال وينصف الضحايا أثناء فترة الإنقلاب وماقبلها من أحداث القوات المسلحة والأجهزة الأمنية طرف فيها بتحقيق العدالة الإنتقالية والترميمية، مع الوضع فى الإعتبار ان الهدف الرئيسي هو بناء قوات مسلحة قوية موحدة مهنية وملتزمة بالتحول الديمقراطى ومقومات الدولة المدنية الكاملة وفق تجارب الشعوب فى كل أنحاء العالم يجب أن نعلم جميعاً أن *الطمأنة المتبادلة هى من أهم شروط الإنتقال السلس والناجح .

💎 قوى الحرية والتغيير

هى الشريك الثانى فى الحكم الإنتقالى تمثل الحاضنة السياسية وفق الوثيقة الدستورية ، كانت تعانى من إشكالات بنيوية ومنهجية واضحة منذ بداية تكوينها أعجزتها عن طرح بديل إنتقالى منظم يحقق التفاعل الموضوعى بين العملية الثورية والعملية الإنتقالية الإجرائية إنعكست على أداء الجهاز التنفيذى للدولة، مما قاد إلى إختلالات فى العملية السياسية الإنتقالية، فقد أشار حزب الأمة القومى لهذه الإختلالات فى عدة وثائق منها ورقة *السودان المتجدد بتاريخ ٢٦ نوفمبر ٢٠١٩م حدد فيها ستة عيوب تعترض مسيرة الإنتقال وتنظيم الحرية والتغيير وإقترح معالجات فى سبعة نقاط أخرى ، وفى ٢٦مارس ٢٠٢٠م أصدر حزب الامة القومى وثيقة *مشروع العقد الإجتماعى لإصلاح المرحلة الإنتقالية فيه نقد واضح للحرية والتغيير كحاضنة للنظام الإنتقالى
كما طرح رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك مبادرته بعنوان *الأزمة الوطنية وقضايا التحول الديمقراطى ، التى وصف فيها الأزمة السياسية بالوجودية للإنتقال الديمقراطى عدد الأبعاد بوصفها مدنى ضد مدنى وعسكرى ضد عسكرى مدنى ضد عسكرى ،كما جاءت مبادرته الثانية والأخيرة قبل الإنقلاب فى يوم ١٥ إكتوبر ٢٠٢١م أطلق عليها *مبادرة خريطة الطريق للحوار لتخفيف التوتر بين مكونات الإنتقال كل هذه المبادرات إصطدمت بغياب الإرادة السياسية فى الحرية والتغيير المجلس المركزى وغياب الرؤية وتقدير عامل الزمن وإحتكار القِلة للقرار السياسى ، بعدها توالت التطورات السالبة فى ساحة القوى المدنية أولها إنعقاد إجتماع *٨ سبتمبر ٢٠٢١م لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزى للتوقيع على ميثاق سمى ميثاق الوحدة وهو فى حقيقته فعل إنقسامى بين مكونات الحرية والتغيير، تم إلحاقه بإجتماع *٢٦ سبتمبر ٢٠٢١م بقاعة الصداقة مجموعة الميثاق بقيادة فصائل من إتفاق سلام جوبا وشركاء فى الحكومة الإنتقالية، وبهذا الإجراء أصبحت الحكومة الإنتقالية برأسين وحاضنتين
سياسيتين، وتقلص الإجماع المطلوب لدعم الإنتقال الذى لايصلح تسييره بأكثرية ضئيلة وعزل الآخرين ، هذا التشويه فى العملية السياسية من قيادة قوى الحرية والتغيير ساهم فى صناعة مناخ إنقلاب ٢٥ إكتوبر ٢٠٢١م نتيجة لقصور الأداء السياسي وإرباك الحاضنة للجهاز التنفيذى، فى ظل مناخ إعلامى لايميز بين الشائعة والواقعة والحقيقة والكذب وتعبئة شعبوية للظفر بالخصوم والتنمر الجامح على المسئولين فقد كانت هناك صعوبة بالغة فى دمج الفئات السياسية Reconcile المتصارعة على السلطة والثروة فى داخل مركب الثورة، وإندلاع صراعات هوياتية فى شرق السودان ودارفور محورها الأرض، فى ظل ضعف شامل فى كفاءة بيروقراطية الدولة مع سيادة روح التعصب وعدم التسامح والإقصاء فى الخطاب السياسي فى غياب طبقة وسطى ومجتمع مدنى فاعل إنفلتت الممارسة الديمقراطية بلا وعى كافى يحجم الجموح والمبالغة فى ممارسات الناشطين مما أصاب العملية السياسية بالجمود والإنسداد ، يجب ملاحظة أن أداء الحكومة الإنتقالية رغم الأزمة السياسية المستحكمة كان جيداً فى *ملف القطاع الإقتصادى حيث تم إحراز تقدم فى إلغاء الديون وإنخفاض ملحوظ فى التضخم وإستقرار فى سعر العملة وتوفير مبالغ مقدرة من العملة الصعبة فى بنك السودان وتحسن فى الصادرات وإيردات الحكومة من الضرائب، كما وجدت البلاد طريق للقروض الميسرة من أجل التنمية والمنح لإعادة البناء فى معظم القطاعات الإقتصادية وزادت المساحة المزروعة بمختلف المحاصيل إلى ستين مليون فدان، تعرضت كل هذه المكاسب للتعطل والضياع بفعل الإنقلاب .

💎الإصلاح والتغيير الجذرى

 

قضية أخرى وإنقسام آخر فى جسم الحرية والتغيير ، تحت هذا العنوان *رفض الحزب الشيوعى وتنظيماته الجماهيرية و تيارات موالية له فى تجمع المهنيين ولجان المقاومة تحت شعار رفض برنامج الإصلاح الإقتصادى وسياسات البنك الدولى والليبرالية الجديدة ، فى تناقض واضح مع مفهوم اللبرلة المزدوجة السياسية والإقتصادية وافق الحزب على قيم اللبرلة السياسية والحكم الديمقراطى التعددى ورفض النصف الثانى ،خرج الحزب الشيوعى من الحرية والتغيير بدعوى تكوين * قوى التغيير الجذرى فى المجتمع مستدعيا صراع الأيدولوجيا تحت شعار التقدم والحداثة والعدالة الإجتماعية فى مزايده مكشوفة على واقع فقير ،وأعلن عن دعوته لإسقاط الحكومة الإنتقالية لم تتاح فرصة للنقاش مع الحزب الشيوعى حول مفهوم وماهية التغيير الجذرى سوى بضع تصريحات عامة من بعض قياداته، عموما ثورة ديسمبر فى الواقع هى ثورة طبقة وسطى ((برجوازيةصغيرة )) لما تشارك فيها بفعالية قوى المجتمع الجذرية ممثلة فى الطبقة العاملة والمزارعين ، لذلك الشعار فى تقديرى تعبير عن عدم رضى فى تقسيم السلطة والتأثير فى قيادة الإنتقال هذا يمكن أن يكون مفهوم قابل للنقاش والأخذ والعطاء بين مكونات الإنتقال، لكن مؤسسات وإعلام الحزب الشيوعى إنتقل كلية لعملية إسقاط الحكومة الإنتقالية وساهم فى خلق بيئة معادية للإنتقال بخلق مجموعة سياسية مثيرة للتشاؤم والإحباط ونافية للتفاؤل وروح صناعة المستحيل ، هذه البيئة المشبعة بالتشائم إستثمر فيها إنقلاب ٢٥ إكتوبر بنفس حجم الإستثمار فى إنقسام الحرية و التغيير وإعتصام القصر.
هناك فاعلين سياسيين شاركوا فى الثورة ولم يوقعوا على ميثاق الحرية والتغيير تم التباطؤ فى إستيعابهم مما جعلهم رصيد للإنقلاب ، هذا بالإضافة *للفلول الذين أعتبروا الإنقلاب إنتصاراً لهم على الحرية والتغيير ومدخل لإعادة إنتاج نظامهم المباد باعتبار الجيش والقوات المسلحة مليشيا تخصهم خدم وترقى معظم قادتها فى عهدهم لم يخفوا تأييدهم وفرحتهم بالإنقلاب منذ يومه الأول يجب التوصل إلى تسوية تاريخية شاملة مع الحركة الإسلامية إذا وافقت على الإنحياز لمعسكر الديمقراطية والمواطنة بلا تمييز، مع إجراء المراجعات الفكرية والسياسية اللازمة، والإعتراف بأن نظام الإنقاذ أسقطته ثورة شعبية ولن يعود، وأن رموزه وقياداته سيقدمون لمحاكمات وفق القانون وقيم العدالة، وأن مؤسسات الإنقاذ السياسية والإقتصادية غير المشروعة ستتم تصفيتها وفق القانون وسيتم إجراء العدالة الجنائية والإنتقالية الترميمية والتصالح مع المجتمع، هذه التسوية تفتح صفحة جديدة للإستقرار والتسامح والعيش المشترك .

 

💎المنن فى طى المحن Ablessing In Disguise

كان إنقلاب ٢٥ إكتوبر محنة كبيرة للنظام المدنى الإنتقالى فتح نافذة للشعب السودانى الذى *وثق فى الديمقراطية كنظام للتقدم والكرامة الإنسانية لذلك لم يتردد فى الدفاع عن مكتسباته قبل إذاعة البيان الأول *إنتفضت الشوارع وإمتلئت بالثوار ووصلوا إلى بوابة القيادة العامة للقوات المسلحة وهم مضرجون بالدماء ، هذه المقاومة الباسلة المبهرة جسدت عدد من المعانى والمواقف العظيمة أولها أن الشعب السودانى يميز بوضوح *بين نظام الحرية والكرامة الإنسانية والحاجة المادية من طعام ودواء وغيرها من الخدمات
*ثانياً خرجت المرأة السودانية كما لم تخرج فى أى وقت مضى معبرة عن رغبة سافرة للحرية والمساواة والكرامة سقطت دون هذه المعانى شهيدة ، *ثالثاً وحدة الشباب والشابات فى لجان المقاومة وجسارتهم التى قدمت ٤٣ شهيد وشهيدة لم تلين أو تتراجع من أجل إستعادة العملية الديمقراطية.
*رابعا أكد الشعب السودانى بوضوح لايحتاج لبيان أن الديمقراطية عائدة وراجحة.

💎الإنقلاب والمجتمع الدولى

أعلن *الإتحاد الأفريقى فى يوم ٢٦إكتوبر من خلال مجلس السلم والأمن الأفريقى تجميد عضوية السودان فى كل الأنشطة المتعلقة به كما صدر بيان من *مجلس الأمن الدولى يطالب بعودة الحكومة الإنتقالية بقيادتها المدنية وكذلك فعل *الإتحاد الأوربى وإنفتحت بقية بلدان العالم رفضاً للإنقلاب لم يبقى أحد لم يرمى حجر على الإنقلاب ، أوقفت المنظمات المالية الدولية كل أشكال التعاون مع السودان إلى أن يعود المدنيين للحكم ، كان موقف *الولايات المتحدة ساطعاً فى رفض الإنقلاب حتى أول أمس ٨ ديسمبر مشروع حماية الإنتقال الديمقراطى فى السودان Sudan democracy Act لفرض عقوبات ذكية على داعمى الإنقلاب ، لقد كان المجتمع الدولى سنداً حقيقياً للشعب السودان *نِعمْ الصديق وقت الضيق.

💎إتفاق البرهان حمدوك

وقع رئيس الوزراء الإنتقالى فى ٢١نوفمبر الماضى بعد خروجه من الإقامة الجبرية إتفاق ثنائي عليه ملاحظات هامة منها
١- مقدمة الإتفاق فيها إعتراف بصحة إجراءات القوات المسلحة فى ٢٥ إكتوبر وأعتبرها أساس للإتفاق وفى هذا قصور واضح عن تسمية ما حدث إنقلاب على اتفاق التحول الديمقراطى والوثيقة الدستورية التى إنتخب بموجبها رئيس الوزراء
٢- الإتفاق تجاوز الحرية والتغيير فى غيابها القهرى كحاضنة سياسية دستورية وشريك فى الحكم الإنتقالى مع المكون العسكرى.
٣- أعاد الإتفاق رئيس الوزراء لمنصبة لكن فى إطار سياسي مختلف وتحت إشراف المجلس السيادى، تناول الإتفاق قضايا العنف ضد المتظاهرين وضرورة محاسبة الجناة وتعرض للتعيينات التى تمت فى فترة الإنقلاب وضرورة مراجعتها، وقضايا اخرى من بينها مراجعة الوثيقة الدستورية ،والدعوة لميثاق وطنى للإنتقال الديمقراطى
هذا الإتفاق *أقصر قامةً أخلاقياً من المقاومة الباسلة للإنقلاب وفيه مكافئة لفعل خاطئي وقع من الشريك العسكرى ، لذلك من الطبيعى أن لايكون المدخل المناسب والصحيح للمراجعات المطلوبة لإستعادة العملية السياسية المصادرة.

💎الدعوة للإنتخابات

يقع كثير من الباحثين والدارسين فى خطأ الإعتقاد أن الإنتخابات هى الديمقراطية، فالإنتخابات لاتعنى الديمقراطية و إنها كمظهر لوحدها غير كافية لتعريفها بمعزل عن الحريات العامة والحقوق المدنية وهى ليست الطلقة الفضية Magic Silver Pullets
للإنتقال الناجح ، لابد للإنتخابات الناجحة إجرائها فى مناخ ديمقراطى حر وبيئة دستورية وقانونية وإجرائية متوافق عليها ، أنها لا تعمق الشروخ الإجتماعية ،إنها تجد قبول ورضا النخبة السياسية المتنافسة فيها ، التعجل للإنتخابات كما حدث فى ليبيا مرتين قادت للحرب الاهلية ولم تحقق الإستقرار المطلوب .
القوى السياسية الإنتخابات لها ضرورية، وأحد شروط اللعبة السياسية الديمقراطية للتداول السلمى للسلطة، لكن يجب أن تكون الإنتخابات عملة مبرئة للذمة .
فى حالة السودان الأصلح التحضير لتحالف واسع توافقى لخوض الإنتخابات أسميته فى بحث آخر تكوين – الكتلة التاريخية القابلة للإنتخاب
Electable Grand Alliance
عموماً الإنتخابات ضرورة لمواجهة قضية الشرعية يجب عقدها بشروطها بأعجل ما تيسر ولا تشكل تهديد لأحد .

💎ماذا يريد الشعب السودانى؟

 

١- لقد أصبح واضحاً وضوح الشمس فى رابعة النهار أن الشعب السودانى *يرفض الإنقلابات العسكرية، وله إستعداد لمقاومتها من أى توجه أو جماعة سياسية، وأنه يجب تكريس مفاهيم الديمقراطية الواقعية التى تدير التناقضات القائمة بالتدرج ولا تفجرها.
٢- الشعب السودانى يرغب فى أستعادة العملية السياسية الإنتقالية بقيادتها المدنية وفق الوثيقة الدستورية لتكون الأساس للإصلاح السياسي المطلوب.
٣- الشعب السودانى يرغب فى بناء نظام ديمقراطى تعددى مدنى ، يكون فيه دور دستورى وقانونى للقوات المسلحة الموحدة فى حماية النظام وحراسة مكتسبات الوطن وحدوده، والإتفاق على كيفية تمويلها ، مقابل هذا الدور يلتزم الشعب بمساندتها ودعمها وتدريبها وتسليحها وتوفير رعاية إجتماعية لائقة لمنسوبيها .
٤- الشعب السودانى يتطلع لسلام شامل وكامل ينهى الحروب ويعيد اللأجئين والنازحين ويرتق النسيج الإجتماعى.
٥- الشعب السودانى يرغب فى تنمية إقتصادية وإجتماعية شاملة ودائمة تنمى مواردة وتحافظ على ممتلكاته فى باطن الأرض وفوق الأرض.
٦- الشعب يرغب فى تأسيس دولة الحقوق والمواطنة بلا تمييز التى تحتفل بالتنوع والمساواة.
هذه هى ملامح البرنامج الوطنى الشامل الذى يجب أن يزيد ولاينقص فقرة من المذكور أعلاه بالنسبة لكل من يريد أن يتحدث بإسم الشعب أو يتوسل له فى أى إختيار ديمقراطى قادم .

💎ما العمل؟الطريق إلى الأمام

١- إستمرار التصعيد للمقاومة الشعبية من خلال المظاهرات والمواكب والإعتصامات والإضرابات المؤقته وهى سلاح الحركة الجماهيرية المجرب فى المقاومة السلمية .
٢- يجب أن لايتم عزل منصب رئيس الوزراء ومقاطعته رغم وضعه الراهن In Limbo كمدخل للحوار من أجل قيام عملية سياسية تجرى المراجعات المطلوبة وتضع الإنتقال فى طريقه الصحيح .
٣- يجب المحافظة على الشراكة مع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، مع التأكيد على إنتقال رئاسه المجلس السيادى للمدنيين، أو إجراء مساومة جديدة حول الترتيبات السابقة فى مجملها التى وضعت جهاز الأمن والمخابرات ووزارتى الداخلية والدفاع تحت قيادة الشريك العسكرى.
٤- يجب إتخاذ قرارات واضحة فيما يتعلق بالعنف ضد المدنيين عادلة وناجزة .
٥- الموافقة على تشكيل حكومة كفاءآت وطنية بقيادة د.عبدالله حمدوك لكن بعد حسم المرجعيات فى الإطار الدستورى وأن يكون المبدأ عام لا تستثنى منه أى قوى سياسية أو شركاء سلام جوبا.
٦- للمحافظة على الدعم والتأييد الإقليمى والدولى لإستعادة الحكم المدنى الإنتقالى لابد من وجود عملية سياسية ، المنطقة التى نعيش فيها منطقة مجموعة دول تصنف *بالهشة، بها *سبعة أنظمة إنتقالية، فى السودان وجنوب السودان وأثيوبيا وتشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى ومالى، لذلك المجتمع الدولى ينظر بقلق بالغ لقضيتى الإستقرار والتحول الديمقراطى كمتلازمتين فى هذا الإقليم وسيتدخل بقوة فى أى محاولة للعبث بالأمن الدولى فى هذا الإقليم الممتد، لما له من تأثير على السلم والأمن الدوليين إذا أضطرب وخرج عن السيطرة .

💎ختامة

هذه الأفكار مدخل للنقاش لإستعادة العملية السياسية فى البلاد فى ظل الإنقلاب لتكثيف النضال السلمى بأفق سياسي مرن وقابل للتحقق، الإنتقال السلس يحتاج لإبداع النخبة السياسية ووعيها وعصارة تجربتها ،وقدرتها على التفكير خارج الصندوق والجراءة فى الوصول إلى المختلف والقدرة على المساومة وعقد الصفقات والتسويات .

صلاح جلال
١٢ديسمبر ٢٠٢١م

💎المراجع

*الإنقلابات العسكرية فى السودان ،اللواء عصام الدين مرغنى.
*الديمقراطية عائدة وراجحة
السيد الصادق المهدى.
* الديمقراطية التوافقية د.الطيب زين العابدين
*الإنتقال الديمقراطى وإشكالاته د.عزمى بشارة.
العقد الإجتماعى حزب الامة القومى .
*السودان المتجدد حزب الأمة القومى .
*حزمة بيانات الحزب الشيوعى صادره عن المكتب السياسيى واللجنة المركزية.
*DEMOCRATIZATION BY ELECTION
STAFFAN LINDBERG.
* problems of political modernization , Dankwat Rustow.

*دينامية الهوية د.فرنسيس دينق ترجمة الأستاذ محمد على جادين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى