أخبارأعمدة

إنفتاح المشهد على التأزم أم الحل

صلاح جلال

إنفتاح الاتحاعلى التأزم أم الحل

صلاح جلال

 

دكتور عبدالله حمدوك ظاهرة تتجلى فى عدة سياقات منها نظرية الرجل الصالح الغريب فى التاريخ الشفاهى الأفريقى الذى ساهم فى بناء الممالك والدول فى التاريخ القديم ،وظاهرة الخروج على السياق السياسي التقليدى أو ما عُرف Anti Establishment
التى تجلت فى ظاهرة دخول نجوم فى مجالات أخرى لقيادة العمل السياسى مثل لاعب الكركيت فى باكستان والممثل المشهور فى أوكرانيا ولاعب كرة القدم فى سريليون وماكرون فى السياق الفرنسي وبوريس جونسون البريطانى وترامب الأمريكى .

السودان جزء من عالم متصل فى ظل الثورة الرقمية يؤثر ويتأثر بالظواهر السياسية العالمية التى تخلق المزاج الشعبى العام وتصنع الرغبات السياسية فى عصر صحافة الجماهير .

دكتور حمدوك كان مثال للمتألق الأكاديمى العالم فى سوق العمل الدولى والعارف بقضايا القارة الأفريقية التى عمل فيها وأكتسب خبراته وذاع صيته فى محيطها، فهو ظاهرة سياسية متفردة، لم يكن متشبباً بالعاطفة الثورية فى خطابه السياسي بل كان متحدثاً بارع بلا عصبية حد البرود ToThe Point متمسكاً بالفكرة الثورية فى الشعار الذى إرتبط به وعمل له بجدية وأصاب قدر من النجاح فيه ( سنعبر وننتصر). لقد أحبه الشعب السودانى عامة وقطاع واسع من الشباب الذى كان يتطلع للإلهام ، ولكن د.حمدوك كان حظه السيئ أنه الرجل الصحيح فى المكان والزمان الخطأ لقيادة إنتقال تاريخى مركب من الشمولية للديمقراطية ومن الحرب للسلام ومن الإنهيار الإقتصادى إلى النماء ومن العزلة للتواصل الدولى فى ظل بيئة سياسية داخلية غير مساعدة وشراكة كجبل الجليد لايظهر منها إلا رأسها يعرف حجمها وتعقيداتها إلا من إرتطم بها، منذ يومه الأول قلنا أنه رجل شجاع الذى وافق أن يجلس على قنبلة زمنية مبرمجة للإنفجار لقد دخل التاريخ من أوسع أبوابه ولم يحين وقت تقييم تجربته بما لها أو عليها حتى يكتمل الإستقصاء المنصف لمعرفة كل الحقائق والزوايا المظلمة فى العملية السياسية التى قادها.

كانت إستقالته رسالة فى أكثر من بريد لتحديد المسئولية والإشارة للطريق منها للقوات المسلحة وقيادة إنقلاب ٢٥إكتوبر تقول أنا رئيس الوزراء الوحيد فى تاريخ إنقلابات السودان الذى خرج الشعب منذ يومه الأول دفاعاً عن نظامه لإستعادة الحرية والكرامة ، لقد أخطئت التقدير بإتفاق ٢١نوفمبر الذى إعتقدت بحسن نية ونصائح داخلية وخارجية أنه مدخل لإكمال تفكيك الإنقلاب،لم يصيب الإعتقاد القبول وهانذا أتقدم بإستقالتى للشعب الأسمر لأفتح الطريق لتحقيق الإجماع الوطنى والوصول لمائدة مستديرة تفكك الإنقلاب وتحقق إستعادة الإنتقال الديمقراطى والطمأنة المتبادلة بين الشعب والقوات المسلحة وبقية أجهزة تنفيذ القانون التى لا تقوم الدولة من دونها .

أما رسالته الأكثر أهمية للقوى السياسية عامة وقوى الحرية والتغيير خاصة إن صراع السلطة القائم على الإقصاء والإقصاء المضاد لن يقود للإستقرار والتعمير علينا بالعودة للحوار المنتج بين كافة القوى الثورية من أحزاب ومجتمع مدنى ولجان مقاومة من خلال مائدة مستديرة وطنية تصون لا تهدد وتجمع لا تبدد، أما رسالته فى بريد شباب المقاومة كانت واضحة لا تخطئها عين لقد أعطيتم وما إستبقيتم شيئا تستحقون الوطن الذى تحلمون به ونحن معكم سنعمل على تفكيك هذه الأزمة من منبر الشعب وإستعادة قاطرة الإنتقال وتصحيح المسار، هذه هى الرسائل الإيجابية فى خطاب إستقالة دكتور حمدوك .

أما إشارات التأزم فى خطاب الإستقالة الحديث الواضح عن إنسداد الأفق السياسي والتراشق بين المكونات الإنتقالية وحرب مواثيق الإقصاء وغياب الحلول التوافقية ومصادرة القوة للعملية السياسية ومقاومة لا تعرف الإستسلام، هذه الحقائق تشكل عناصر الخطر على الدولة إذا أبحرت فى الشطط والعناد والإنسداد والمعادلات العدمية، قد تعرض كيان السودان الوطن للإنهيار.

يدعم هذا التحليل للمخاطر مواقف الأسرة الدولية خاصة الأمم المتحدة والإتحاد الافريقى والأوربى التى تحرض رسائلها على أهمية الجلوس فى مائدة مستديرة والحوار لإستعادة العملية السياسية بشروط جديدة تستوعب تطلعات الشعب فى الحكم المدنى الكامل وتحقق الإستقرار فى بلد هش ،مع الإحتفاظ بالدور الدستورى للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى وتصفية الأنشطة التجارية والصناعية غير الحربية، هذه كتابة الشارع على الجدران Clear And Loud ورغبته وهو السيد فوق كل سيد .

 ختامة

المائدة المستديرة التى توحد الشارع الثورى على قيادة وميثاق من خلال خريطة طريق واضحة تهدى لعملية سياسية شاملة بالتوافق بين كل الفاعلين فى المشهد وبمشاركة مسهلين وضامنين وداعمين وأصحاب سطوة أممية لمعاقبة المعوقين، هذا هو الخيار الآمن يهدى المناضلين المتجردين ليسلم الوطن من كل شر .

إن الشوفينية والإقصاء والتعالى الأخلاقى والتملق الزائف والأفكار العدمية هو منهج الزيف بإسم الثورة عبر التاريخ، وهى مسارات إنحراف مكُلِفة من شواهد التاريخ الثورى الشاخصة والمعلومة للجميع، نغنى مع الشاعر طارق اللمين
الفجر إن مرق
ما بتمنعوا الدبابة
والصبح إن شرق
ما بتعيقوا سحابة

صلاح جلال
يناير ٢٠٢٢م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى