أعمدة ومقالات

ما أعتى غبنك يا ولد

خالد فضل

وأعدل قضيتك وأعظما، هكذا صدح شاعر البسطاء والغلابة محمد الحسن سالم حميد ؛ على قبره تتنزل الرحمات الواسعات ببركة هذا الشهر الفضيل، بعظمة ما جرى على لسانه من صادق التعبير عن أحوال البؤساء في بلاد المظلومين، الذين ما قيض الله لهم بارقة أمل، وضوء في آخر النفق المظلم الذي فيه يعمهون حتى تقدم فيهم الجلاوذة الشداد يطفئون الشمعة الضئيلة ويصبون الخرسانة التقيلة على مواضع الأمل. مثلما يسورون قلعتهم البغيضة بالسيخ والأسمنت !! وصدق أزهري محمد علي مخاطبا خدنه : جرح الوطن ختالنا خط

 ما منو نط

 وحميد ختالنا خط ما منو نط

 الليلي يا موت يا حيا

 خاتي البختار الوسط خاتي البختار الوسط

 يا فطون

 فطن حميد فطمنا غنانا

 لا طاطينا لا سابنا الخيول تاطانا

قدمناه امام لا ضلا لا ضلانا …… إلخ سبط القصيد البديع.

 رحل حميد ولحق به آلاف الشهداء من بني وطنه، مأسوفا على رحيلهم المر ودمهم المسكوب غدرا وخسّة، وبقي الآثمون يتربعون ويتسيدون المشهد، يسبون البشر ويلعنون الدين في نهار رمضان، أعوذ بالله كما في قول الصديق شبونة، وما اعتى غبنك يا ولد، والشهداء يرتقون سمبلا، يقتنصهم الرصاص والدوشكات وتدهسهم ذوات الدفع الرباعي، وكل جريرتهم في هذا الوطن أنّهم أنّهن من أولاده المخلصين وبناته النبيلات، ونفس الزول، الذي أفطر على الدم وتعشى بالحقد قد تسحّر بشواء الأجساد، وفي تلك الفجرية الدامية، 29رمضان من العام 2019م، والزمن قبايل عيد رمضان الأول بعد سقوط صنم البشير !!

بتجمد الحس الإنساني ؛ لا بل الحس الحيواني، فالذئبة تحمي نطفتها ؛ كما في قصيد صديقنا مظفر النواب، أمّا همو، حفنة تكورت حتى صارت بلا رقبة، فإنّهم:

شغلوها بالنبي والمسيح

 واتقاسموها رتب رتب

أو كما قال أزهري جنايا ل محمد علي، ونعم الولد. نعم، 29رمضان البئيس، وفجره الدامي، بذاك الحريق الوطني الشنيع الذي ما انفك يزداد أوارا ويا كرنيق الجاتك ما جاتك من السما، ويا الجنينة وجعك في خاصرة أم درمان ونواحي بجري ورتوع ود العباس والحصاحيصا، وجنوب الحزام إلى نهر النيل، ويا (مطر) الحزن عاود هطل جدد عذاب الأرصفة المسكونة باللوعة، ذات الأزقة في العباسية وبري والكاملين والضعين والدمازين، وكان قد اشعلها الهتاف حرية سلام وعدالة، وشقشقة البنيات الجميلات سودانا فوق، ورقصة الأولاد الوسيمين ناس دودو، يا اخوانا الشاي بجاي، والوطن الطفل المعافى في طور التخليق نطفة من بارا وعلقة في عبري و( عظمة) في يالا، وكان الحلم قد بدأ في التحقق، حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي، نغمة عذبة في شفاه الأطفال، ونفس اللص الرابض في المنعرج يصطاد من الصيد السمان، ورعاف الرصاص الأعمى تطلقه تلك الأصابع الواجفة التي ما تعودت إلا على قتل أهلها وعند ساحات الوغى الحق تطلق بنادقها إلى الخلف، ويسمونهم حماة !! حماة الباطل حينما يتشرنق في المزارع فيبيد الزرع ويجفف الضرع وكلو شئ (لله)!!

29رمضان الدامي وما تلاه من فجائع عقب 25 أكتوبر الماضي، يشكلان حلقات في مأساة وطن كظيم، يكظم غيظه وهو يرى على مدى 65سنة كيف أنّ حياة أهله تسوء، تتدحرج من سيء إلى أسوأ حتى تخوم الإنهيار الجاري الآن، والجاتا ما جاتا من السما لكنها فعايل أولئك الطغاة العتاة، من فصيلة الدم البارد الذين كل همهم وأد الطموح، وقتل الوليدات والبنيات قربانا لشهوات التسلط والتحكم، عسكريون ومدنيون في ثياب الطغاة ويتناسون أنّ الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب، ولا طريق سوى الحكم المدني يحفظ الحقوق ويردع غوائل الفلول. نعم التمسك بحق الشهداء هو تأسيس الوطن الذي به حلمو وتشبثوا حتى آخر شهقة روح.

المجد والخلود للشهداء الأخيار، العافية للمصابين والجرحى، العودة للمفقودين والمختفين قسريا، الحرية للمعتقلين تعسفيا، والثورة مستمرة. وكل عام وأنتم بخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى