أخبارأعمدة ومقالات

الحياة الزوجية.. وقائع مظلمة

خالد فضل

الحياة الزوجية.. وقائع مظلمة

خالد فضل

مجتمعاتنا السودانية بمختلف تعددياتها الثقافية والإثنية والدينية والجهوية، تمر بمرحلة اضطراب اجتماعي عنيف، ثمّة وقائع مظلمة تغلّف تكويننا النووي المتمثل في الأسرة، أكاد لا أبالغ إذا قدّرتُ أنّ ما لا يقل عن 20 أو 30% من الأسر تواجه واقع انفصال الزوجين، ونسبة مقدّرة  من هولاء المنفصلين يربط بينهما أطفال، بل لا تكاد أسرة سودانية واحدة من الأسر الممتدة  تخلو من هذا الواقع ، ويمكن لكل قارئ/ ة لكلمتي هذه أن يستعرض في ذهنه فقط عدد الأفراد المنفصلين من دائرته الإجتماعية سواء أكانوا أقارب أو زملاء أو معارف أو جيران، هذا إذا لم يكن هو/ هي ممن ينطبق عليهم واقع الانفصال هذا.

هذا يعني أنّ هناك سيدات يواجهن ظروف تنشئة وتربية الأطفال بمفردهن، هناك سادة يقع عليهم ذات الأمر وإن كان بنسبة أقل، فعبء التربية والتنشئة يقع في الغالب على الأمهات المطلقات، ويكاد دور الأب المطلّق ينحصر في دفع (النفقات) أو جزء منها، الأمهات يتولين ببسالة وصبر هذه المهمة العسيرة، وتنصرف كثير منهن إلى تربية وتعليم أطفالها دون التفكير في خوض تجربة الزواج ثانية، أعرف كثيراً من السيدات الشابات اللواتي يكرسن حياتهن فقط من أجل أطفالهن، يبدو أنهنّ زهدن في تكرار تجربة حياة مع زوج آخر، بالطبع هناك صعوبات عملية تواجه هؤلاء الأمهات، فكثير من المجتمعات والأسر تُعارض فكرة زواج أولادها الشباب من نساء مطلقات يتبعهن أطفال (كمان)، تبدو مسألة الطلاق لدى البعض وكأنها وصمة تلاحق السيدة التي مرت بالتجربة، غالباً يتم تحميل المرأة المسؤولية عن حدوث الطلاق، هنا يتم اللجوء إلى الزواج من متزوجين، مما يعني كلك تسبيب أذى نفسي ومعنوي لسيدة أخرى حال الزواج من زوجها، أي أن معالجة موضوع زواج المطلقة يتم على حساب أخرى لم يتم تطليقها مباشرة، ولكن فعلياً تم استبدالها بأخرى لغير ما سبب وجيه وضروري، أذكر أن سيدة شابة من المطلقات قالت لي: إنّ النساء المتزوجات يخشين بل يكرهن النساء المطلقات؛ خوف (الشلب) كما في المصطلح السائد!! وما ينطبق على المطلقات ينطبق كذلك على طالبات الزواج من الشابات، هنا تثور بعض الأسئلة الموضوعية لتلك الشابة التي رفعت لافتة في استوب على الشارع العام تطلب فيه الزواج، وفي لقاء مع وسيط إعلامي أوضحت أنّها تطلب الزواج من شخص وصفته بالجاد يذهب مباشرة لطلب يدها من أهلها، إجاباتها رغم عفويتها وصدقها لم تك وافية حسب ما تابعت في مقطع الفيديو لذلك اللقاء، هي حدّدت الجدية فقط بالذهاب للمنزل، في الجانب الآخر أغفلت أنّ المتقدِّم لها يحتاج هو الآخر لإثبات جديتها ومعرفتها معرفة وثيقة تسمح له بالزواج منها، كما أنّها لم تحدِّد من ضمن شروطها أن يكون الخطيب أعزب، بما يعني أنّها لا تمانع في التعددية، هنا يقع نفس الخطأ أي أنّها تريد تحقيق رغبتها في الزواج ولو على حساب سيّدة أخرى! ما رأي ناشطات وناشطي المجتمع المدني المدافعات/ ين عن حقوق المرأة، أنا هنا لا أشير أبداً إلى الطريقة التي قدّمت بها تلك الفتاة نفسها كـ(طالبة) للسترة على حد قولها، لا اعتراض لدي بتاتاً على طلبها ولا أرى فيه عيباً أو ما يشين أخلاقياً، صحيح، لم يتعود الناس على هذه الوسيلة في تحديد خيارات الزواج، خاصةً من جانب الفتيات، قد نشاهد مثلاً أحد الشباب يعرض نفسه طالباً الزواج من امرأة (جادة) فقط، ربما حدث هذا أحياناً، “وبرضو” عليه بعض التحفظ لكون مثل هذه الطريقة تبدو أقرب لطلبات تقديم الخدمات أكثر منها طريقة مثلى لتكوين أسرة.

ولكن هل يمكن التفكير في تعديل طريقة طلب الزواج من كونها حكراً على الرجل فقط، أي أن تتفق الشابة مع الشاب مسبقاً ثم تقدِّم نفسها خطيبة له، هل يقبل الأهل تقدم ابنتهم لخطبة شاب ما؟ وهل يقبل أهل الشاب خطوبة ولدهم من شابة علناً؟ إذ أنّ كثيراً من الحالات الآن تحدث بصورة سرية، تدفع الفتاة الشاب دفعاً لخطبتها، في بعض الأحيان تتولى النفقات الخاصة بالزواج، ليس لدي اعتراض على تلك الطريقة فالحياة الزوجية شراكة، ويمكن للشريكين أن يتفقا حول كيفية بدايتها وتسييرها، بشرط أن يتم هذا الأمر بتفاهم واقتناع تام من الطرفين، هل جرّبت تلك الشابة المهندسة تقديم رغبتها للارتباط بشاب معين بتسهيلات محددة؟ ماذا كانت النتيجة قبل أن تُعلن في المسجد أو الاستوب؟ كما أنّها في ذلك اللقاء أشارت إلى أنّ دافعها لطلب الزواج بتلك الطريقة يعود لكونها عاطلة عن العمل لم تجد وظيفة ثابتة، وكل زميلاتها وصديقاتها تزوجن. هل هذه أسباب كافية لطلب الزواج كيفما اتفق؟ وفي ظل واقع تشهد فيه الأسر تفككاً مريعاً بسبب الطلاق، والذي يشمل كل الطبقات ولمختلف الدواعي، من ضغوط الحياة والإملاق إلى الترف وأدوائه. كما أنّ بعض الفتيات في بعض المناطق بتن يستغلّن فكرة الزواج ومن ثمّ الطلاق كوسيلة لتحرّرهن من القيود الأسرية والإجتماعية المفروضة عليهن كـ(فتيات).

هل لطريقة اختيار الأزواج علاقة بواقع ما نعايشه من كثرة حالات الطلاق والانفصال؟ ربما كانت هذه واحدة من فرضيات بحوث إجتماعية وبحوث في علم النفس وغيرها من العلوم ذات الصلة، الآن ربما هناك (حوبة) للعلوم الإجتماعية، لابد من دراسات معمّقة وميدانية وأطروحات جامعية مرموقة في هذا المجال، لأنّ الواقع الحقيقي لحياتنا الأسرية يبدو قلقاً وواهناً وما يترتب على ذلك ليس جيداً، على كل حال، أرجو أن ننصرف قليلاً إلى التأمل في هذا الواقع المؤسف ونحن في لُجّة معاناتنا المستدامة طلباً للرزق وضروريات البقاء على قيد الحياة فيما حياتنا في جوهرها تفقد نكهتها، وتتراكم فوقها طبقات النكد طبقاً فوق طبق.

ومن نكد الحياة في السودان حلول ذكرى فجيعة فض اعتصام القيادة مرتين في العام الواحد، إذ وقعت الواقعة في خواتيم شهر رمضان وصادف يوم 3 يونيو 2019م فوثّق محمد أمين بغناء حزين “مديتلو زهرة وتمرتين مدالي ميّة طلقة ليه! جيناهو نقالد وطن..”، وكانت الفاجعة، تلك الفعلة النكراء والفضيحة المجلجلة للبندقية التي تلغ في دم شعبها والطلقة التي تصطاد عصافير الوطن المشقشقة حرية سلام وعدالة، الرحمة للشهداء الأخيار، العافية للمصابين، والدعاء بعودة المفقودين أو معرفة مصائرهم على الأقل، الخزي والعار للقتلة الجبناء، ولابد من القصاص وإن طال الأمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى