أخبار

الجذريون «مالم»؟

خالد فضل 

عندما يعتل الجسد ويكثر استخدام المسكنات التي لا تفيد إلا قليلا يسعى المريض لعلاج جذري وإن كان مؤلما، ومن علاجات أطباء الأسنان (علاج الجذور)، فيما أفاض المادحون لكل اتفاق سلام عقد في السودان؛ حتى بين القبائل المتناحرة، بوصفهم له بأنّه قد عالج (جذور المشكلة)!

هنالك حلول جذرية يطالب بها النقابيون ضمن مطالبهم لأرباب العمل، وهناك الحل الجذري مطلوب لمسألة تكرار السيول وغرق البلودات الحزينة والمزارع وموت البشر ونفوق السعية، كل مشكلة يطلب الناس حلّها جذريا؛ عليه يصبح مطلب الجذريين في الحل السياسي الشامل موضوعيا، فالمساومات المقيتة، والحلول المؤقتة، والهدنات التي تسمى (حلولا جذرية) ما عادت تفيد، فما هو الحل الجذري الذي حوله يتهارش المتهارشون؟

في تقديري أنّ شعار الثورة الرئيس يتضمن الحلول الجذرية للمعضلة السياسية القاتلة في بلادنا، لنعد فقط لتفكيك الشعار، حرية سلام وعدالة، ألا ترى عزيزي القارئ أن هذا الثالوث يوفر الحل الجذري، وعبر تحقيق تلك المطلوبات يمكن لبلادنا أن تنطلق إلى الأمام عوضا عن اللف والدوران في هذه الحلقة المفرغة المقرفة، وعوضا عن عودة رموز وقوانين وشخوص العهد المباد الذين لا يرجى منهم خير ولا يؤمن منهم شر، عوضا عن ذلك علينا فقط التمسك بالشعار الثوري الواضح.

الحرية مطلب لازم لأي مشروع وطني هادف لنجدة الشعب والوطن وتغيير مسار طريقه الهابط دوما إلى القاع، الحرية تبني ما هدمته سنوات الديكتاتورية العجاف، هي تطلق الطاقات المهدرة والمقموعة والمشردة والمبعدة عن خدمة أهلها وشعبها ووطنها، والحريات ليست مطلبا ترفيا يخص البعض بل هي ضرورة وجودية للبشر، وكل كائن حي حتى العصافير تكتئب في قفص الذهب وتنطلق مشقشقة للحياة في فضاء الحرية، حتى البغال تفرح وتنطط وتهرجل وتكاد تطير لحظة فك حبالها، هكذا نتعلم هذه القيمة بقليل ملاحظة لسلوك الحيوان، ومن باب أولى البشر، الحرية حق أساسي و(جذري) من حقوق الإنسان، وشعار الثورة كان يستهدف الحل الجذري لهذه القضية (فلا مساومة إذا) !!

السلام، وقال معلم الشعب محجوب عليه الرحمات الواسعات؛ في شكل سؤال ضمن قصيدة غويشاية : قول لي كم تمن الطمأنينة ! هل لها ثمن؟ كيف نحقق التي أقيم من كل ثمن بغير تحقيق السلام الشامل والمرضي لكل الأطراف، من ضمن استشهادات المرحوم الأستاذ محمد طه محمد أحمد عليه الرحمة في كتاباته المثيرة بصحيفته الوفاق؛ كتابته عن ذاكرة الطمأنينة في ربوع دارفور أيام كان حاكمها العام سلاطين باشا -وعفواً للثائر مناوي- كيف أن سلاطين ذاك كان يجوب دارفور من أقصاها لأقصاها على جمل مع مرافقين وحراس معدودين !! بالطبع لم تك هناك وقتذاك سيارات دفع رباعي لزوم الدعم السريع، هذه هي مؤشرات السلام والحلول الجذرية لأسباب النزاع، وليس بتحكر سيدنا جبريل في وزارة المالية يجبي الأموال لصالح (تمكين) جماعته القديمة والجديدة ! أو بتخريمات التوم هجو وأردول، السلام يقدم الحلول الجذرية عندما يفتح القيح ويعالجه ويبرئ الجراح، أما لف الجرح على حفنة تراب فإنه مما يؤدي لمضاعفات تقود إلى البتر في خاتمة المعاناة.

العدالة، يا لها من لفظة قليلة الحروف كبيرة المعاني عميقة الدروب واسعة الرحاب، الروح البشرية أولى بالحفظ والصون، أن تهدر ملايين الأرواح سمبلا ثم يكون نفس الزول الكتل ولدك شال الفاتحة وقلدك، على قول الشاعر النصيح، فهذه ليست عدالة هذا تعميق للإحساس بالظلم والغبن وأكبر دافع للانتقام، العدالة لا تتجزأ، وقيمتها تكمن في قول صريح للنبي محمدا (ص) لو سرقت فاطمة بنت محمد لأقام عليها الحد، ومن أحب لرسول الله غير الزهراء أم الحسن والحسين !! قيمة تنادى لها البشر وتواثقوا عبر عشرات مئات الوثائق في منظومة حقوق الإنسان، وفي سبيلها نصبت المحكمة الجنائية الدولية حتى لا يفلت الطغاة المستبدون في البلدان الممكونة بوباء الاستبداد من العدالة، بالمناسبة لم اسمع السيد جبريل إبراهيم أو مني أركو أو غيرهم يتحدثون عن (سلام جوبا) فيما يتعلق بالعدالة !! إن شاء الله المانع خير؟؟ العدالة تقتضي أن يحاسب القتلة على قتلهم للشباب والشابات الثوار، وعلى إزهاقهم لمئات الآلاف من الأرواح في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وبورتسودان وكجبار وكل بقاع الوطن المكلومة، وبمثلما ألقت الشرطة بسرعة البرق القبض على المشتبه بقتلهم لضابط وجندي من أفرادها يبقى حس العدالة السليم يتوق للقبض على قتلة سنهوري وست النفور وعبد العظيم وغيرهم العشرات من الذين افترض قائد الانقلاب البرهان أنّ طرفا ثالثا قتلهم، لماذا لم تسد فرضية أن الطرف الثالث هو من قتل الضابط والشرطي؟ أم أنّ ذاك الطرف تخصصه فقط في الثوار؟؟؟ العدالة يا سادة لا يجبها وفاق نفاق، ولا يمحو مطلبها أرزقية موائد السلاطين، ولا يخبو أوار لهبها الحارق للظالمين إن تناسى أمرها الثوار المزيفون، فما العيب في أنّ فريقامن السودانيين يطالبون فقط بتحقيق شعار الثورة التي مهروها بالدماء والمهج.

إذا شعار الثورة في تقديري يمثل حلولا جذرية فهل هناك من يناهض الحلول الجذرية؟ وهل مناداة لجان المقاومة أو بعض القوى السياسية بالحلول الجذرية يعتبر خرقا للثورة وضدها أم سيرا في الحقيقة على نهجها والتزاما بشعاراتها. أجيبوا أيها المساومون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى